غزة - خاص قدس الإخبارية: خلافًا للنهج المتبع من قبل المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية في الاحتلال، فيما يخص التعامل مع الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة تجاه المدن والبلدات المحتلة عام 1948، لم يرد جيش الاحتلال الليلة الماضية على الصاروخ الذي أطلق تجاه موقع ناحل عوز شرق مدينة غزة.
ورغم استخدام المنظومة الأمنية والعسكرية للمراسلين العسكريين في عملية التحريض ضد فصائل المقاومة لا سيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وضرورة توجيه عمليات اغتيال ورد عنيف وقوي، إلا أن تعامل جيش الاحتلال كان مختلفًا.
وفتح باب عدم الرد حتى لحظة إعداد هذه المادة، اليوم الأحد 12 فبراير 2023، باب التساؤل أمام المراقبين والمختصين في الشأن الإسرائيلي والعسكري والسياسي، ومدى اتجاه الاحتلال نحو تغيير استراتيجيته في التعامل مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
وبحسب قناة كان العبرية ورصد "شبكة قدس" فإن ما يزيد عن 23 صاروخًا أطلقت من القطاع خلال مدة زمنية لم تتجاوز أسبوعين ونصف تجاه المدن والبلدات المحتلة، فضلاً عن تطوير المقاومة لمنظومة مضادة للصواريخ تطلق من الأرض بخلاف امتلاكها منظومة صواريخ "أرض - جو".
ويتزامن ما جرى الليلة الماضية مع موجة كبيرة من الخلافات والسخرية من وزير الأمن القومي في الاحتلال ايتمار بن غبير الذي طالب سابقًا بالرد بخمسين صاروخ على كل صاروخ يتم إطلاقه من القطاع، في المقابل الذي يصفه معارضوه بوزير "التيك توك" و"تويتر".
السير بين حقل ألغام
في هذا السياق، يقول الصحفي والمختص في الشأن الإسرائيلي محمد بدر إن الحكومة الحالية تسير بين حقل ألغام، فهي من جهة تخشى التراجع أمام المحتجين على التعديلات القضائية لأنك ذلك سيعبر عن ضعف تأثيرها أو قدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية، وأيضا يعرقل بعض الأهداف الخاصة بالائتلاف من وراء هذه التعديلات، وفي نفس الوقت هناك موجة عمليات وتصاعد في المقاومة يؤثر على قدرتها للتفرغ للشأن الداخلي وأيضا يكبل خياراتها في التعامل مع المقاومة في شمال الضفة الغربية.
ويضيف بدر لـ "شبكة قدس" أن الحكومة الحالية كانت تشعر أن جبهة غزة ستبقى هادئة إلى حد ما، ولن تكون من أسباب "الصداع" لديها، لكن هذه التقديرات لم تكن دقيقة كما يبدو، وعادت غزة إلى المعادلة من خلال الرد على جرائم الاحتلال بالضفة.
لكن الصحفي والمختص في الشأن الإسرائيلي يلفت إلى أن هذه الردود أقرب ما تكون إلى الرمزية حتى اللحظة، لكن دلالاتها واضحة بأن معادلة الربط بين الساحات قائمة ولم تنتهِ، ولذلك فإن هذه العودة تمثل بالنسبة للاحتلال تحدٍ استراتيجي أكثر من كونه تحدٍ عسكري آني.
ويعتبر أن الرد الإسرائيلي على الصواريخ المتقطعة التي تطلق من غزة ظل منسجما مع الاستراتيجية العسكرية التي صاغها جيش الاحتلال ضد هذا النوع من الإطلاق، أي مهاجمة هدف أو عدة أهداف بعد كل عملية إطلاق صواريخ، ولكن الليلة الماضية لم يرد جيش الاحتلال وهذا فتح نقاشا وجدلا واسعين بين مختلف الصحفيين والمراسلين والسياسيين السابقين الإسرائيليين.
ويتابع: "كسر الروتين العسكري يعني إمكانية اتخاذ خطوات أخرى أو من نوع جديد، وقد تصل في حدتها إلى عملية اغتيال، وقد لا يكون كذلك ويكتفي الاحتلال بمهاجمة أهداف سواء فارغة أو غير ذلك، في وضح النهار مثلا، وهذه تكون تغطيتها الإعلامية مكثفة أكثر وبالتالي يستفيد من هذا الضخ الإعلامي للتأكيد على أنه فاعل نشط ولم يتخل عن استراتيجية "دفع ثمن الإطلاق"، أو قد يكون هناك تغيير في طبيعة الأهداف لكن دون الحد الذي يأخذ الأمور لجولة كبيرة من التصعيد".
وينوه بدر إلى أن المراسلين العسكريين والمحللين انخرطوا في حملة الانتقاد ضد الحكومة والجيش، وفي مثل هذه المواقف، أحيانا، يكون انخراط تضليلي، بمعنى إيهام الطرف الآخر أن عدم الرد بالفعل إشكالي وليس ضمن خطة بديلة أو خطة مستحدثة.
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي، أن المقاومة الفلسطينية تتصرف ضمن معطياتها المتوفرة لديها وتعزل قراراتها عن مثل هذه التأثيرات لأنها قد تكون تأثيرات منسقة.
قراءة عسكرية.. لماذا لم يرد الاحتلال؟!
من جانبه، يقول الباحث والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة إن تمدد المقاومة واتساع رقعة العمليات في الضفة المحتلة باتت تشغل القيادة الأمنية والعسكرية للاحتلال ولها تأثير استراتيجي على كل الصعد الأمنية والعسكرية.
وبحسب حديث أبو زبيدة لـ "شبكة قدس" فإن شغل الاحتلال الشاغل حاليًا يكمن في المقاومة في الضفة وتمدد انتشارها، إلى جانب استنزاف الاحتلال هناك وانتشار جزء كبير من الوحدات العسكرية والأمنية في مدن الضفة الغربية.
ويرجع الباحث في الشأن العسكري أسباب عدم الرد لكونه نتيجة محسوبة من العدو بحيث لا يريد أن يوسع نطاق الفعل المقاوم وتكون المواجهة على نطاق جغرافي أوسع في المرحلة الحالية ويسهم في استنزاف أكبر للمنظومة الأمنية، في ظل وجود تهديدات خارجية مثل المواجهة مع إيران.
ويؤكد على أن المقاومة خلال الاستهدافات القصيرة الأخيرة اتبعت طريقة مغايرة في التعامل مع رد فعل الاحتلال وهو مواجهة الطيران الإسرائيلي من خلال الدفاع الجوي وإطلاق الصليات الصاروخية على مناطق غلاف غزة، وبالتالي فإن أي رد فعل إسرائيلي كان سيقابل بنفس هذه السياسة ولن يلجم المقاومة وبالتالي سيزيد من إشغال المستوطنين والعبء عليهم.
لكن في الوقت ذاته، لم يستبعد الباحث في الشأن العسكري أن يلجأ الاحتلال للرد بأسلوب أمني سواء في قطاع غزة أو خارج القطاع، مع استبعاد فرضية اللجوء لتنفيذ عملية اغتيال في المرحلة الحالية كون ذلك سيؤدي لتصعيد عسكري كبير.
ويرى أبو زبيدة أن أي عملية اغتيال سيكون لها تبعات كبيرة على جبهة الاحتلال الداخلية في ظل ما يعانيه الاحتلال في الضفة المحتلة، لا سيما وأن عمليات الاغتيال في تاريخ الصراع الفلسطيني أثبتت فشلها في لجم المقاومة أو تقليص الفعل المقاوم.
ضغوطات وتدخلات.. ولكن!
إلى ذلك، يؤكد الكاتب والمختص في الشأن السياسي مصطفى الصواف أنه من المرجح أن يكون امتناع الاحتلال عن الرد نتيجة لضغط أمريكي مصري، بعد اللقاءات التي جرت بين المقاومة حماس والجهاد مع المخابرات المصرية قبل أيام.
ويقول الصواف لـ "شبكة قدس" إن من بين الأسباب قد يكون خشية الاحتلال من أضرار قد تعود على سلاحه الجوي بعد إدخال المضادات الأرضية ضد طيرانه إضافة قدرة المقاومة على معالجة الطائرات المسيرة والتي استولت عليها في العدوان الأخير على إحداها وأعطت المقاومة معلومات كثيرة لم تكن في الحسبان.
ويشدد الكاتب والمختص في الشأن السياسي على أنه لا يجب استبعاد غدر الاحتلال، إذ من الممكن أن يكون لديه تفكير في تنفيذ عمليات اغتيال مثلا للمستوى السياسي والأمني والمقاوم لقوى المقاومة وهو ما يتطلب حذراً وحرصاً من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية.