أضحى من نافلة القول، التأكيد على أن ما جرى في أريحا قبل أيام شكل صدمة كبيرة لدى الأوساط الصهيونية والفلسطينية على حد سواء.
فهذا التطور الدراماتيكي والاتساع الجغرافي لظاهرة المقاومة في الضفة الغربية، هو ما كانت إسرائيل تخشاه وتحسب له ألف حساب، والأدهى أنه حصل على جغرافيا لطالما اعتبرتها الأخيرة ذاهلة عن الشأن الفلسطيني برمته.
لكن ما حصل في أريحا من تطورات دراماتيكية إن جاز التعبير هي نتيجة حتمية وطبيعية لعدة عوامل، من ضمنها حالة "الإلهام"، والتي شكلتها ظاهرتا نابلس وجنين لدى الجيل الفلسطيني الشاب، والذي بات يتناقل بحفاوة وتصاعد عاطفي ووطني مرئيات تنطوي على شهداء ومقاومي الظاهرتين في مختلف مواقع التواصل الاجتماعية.
كما أن وصول التيار الخلاصي في الصهيونية المتطرفة لسدة الحكم، ووحدة الفكر والممارسة الذي طبعته بخلاف الحقب السابقة، والتي اكتفت بها الأحزاب المتطرفة منذ صعود بيغن عام ١٩٧٧ وحتى آخر حكومة لنتنياهو بالشق التنظيري والخطابات الديماغوجية، أدت إلى تبلور وعي جمعي فلسطيني يستشعر بالخطر الوجودي وحجم الأجرام اليومي، وبالتالي تشكل مقاومة عفوية ومنظمة على كامل الجغرافيا الفلسطينية.
وفي ضوء التطورات القادمة من أريحا، علينا كفلسطينيين التسلح بمشاعر الغبطة والفرح، كون الاجتماع الفلسطيني أثبت أنه ما زال يتحلى بديناميكية تؤهله لمجاراة السياسات الصهيونية بحقه، رغم محاولات كي الوعي وفرض الأنماط الاستهلاكية والتي تهدف إلى إفراغ هذا الاجتماع من منظومته القيمية الوطنية، وقدرة هذا الاجتماع على خلق ظواهر "رفض" عابرة لجغرافيا مجموعة بشرية بعينها، وهذا ما شكل ناقوس خطر لدى المحتل ومراقبيه.
ورغم أن الكيان سارع إلى إنهاء الظاهرة المتشكلة في أريحا بشكل إجرامي، فإن الحقيقة الماثلة أمامه دون أن تشيح عيناه "أن الشعب الفلسطيني يبرع في تشكيل ظواهر اجتماعية وطنية لا تقر لسياساته وتقسيماته الجغرافية بأي وزن، وبأن أريحا هي درس أولي لمقاومة ستتصاعد رغم عمليات الاستئصال والبطش الجنوني.