شبكة قدس الإخبارية

فيديو منغستو.. ماذا تفعل حماس وماذا تريد أن تقول؟!

323438322_485993670277231_2682267409772259225_n
ساري عرابي

"إسرائيل"، التي ظلّت تبحث عن طيارها "رون أراد" المفقود في جنوب لبنان منذ العام 1986، وأعلنت في العام 2019 عن استعادة رفات جندي إسرائيلي من سوريا، كان قد قتل في لبنان في العام 1982، وكشفت عن مساعٍ أخرى لها في البحث عن رفات جنود آخرين في دمشق بمساعدة الروس، وعملها على استعادة رفات الجاسوس الشهير إيلي كوهين.. لا تبدي كبير اهتمام لجنديّها إثيوبي الأصل أبراهام منغستو، الأسير لدى كتائب القسام منذ العام 2014، بالإضافة إلى هشام السيد، الإسرائيلي/ العربي، الذي تقول كتائب القسام كذلك إنه جنديّ في جيش الاحتلال، وأسير لديها منذ العام 2015.

لم يكن رهان القسام في إنجاز صفقة تبادل أخرى -بعد صفقة التبادل على الجندي جلعاد شاليط على الإثيوبي والعربي، وإنما على إنجاز عسكري كبير لها حققته في حرب العام 2014، بأسرها الجنديين شاؤول آرون وهدار جولدن، في عمليتين منفصلتين، وذلك للأصول الغربية للجنديين، حيث "إسرائيل" ما تزال أكثر عنصرية واحتفاء بالشخصية الغربية، وإذا كانت لم تعد تستطيع التجاوز عن يهودي من أصول شرقية، فإنّ الأمر بالنسبة لها أقل أهمّيّة إن تعلق بإثيوبي أو عربي غير يهودي.

لم يكن رهان القسام في إنجاز صفقة تبادل أخرى -بعد صفقة التبادل على الجندي جلعاد شاليط على الإثيوبي والعربي، وإنما على إنجاز عسكري كبير لها حققته في حرب العام 2014، بأسرها الجنديين شاؤول آرون وهدار جولدن، في عمليتين منفصلتين، وذلك للأصول الغربية للجنديين، حيث "إسرائيل" ما تزال أكثر عنصرية واحتفاء بالشخصية الغربية

لم يكن أسر الإثيوبي والعربي مقصوداً لذاته، بقدر ما كان مقصوداً لتعزيز موقف حماس التفاوضي، في كدّها منذ تأسيسها لجعل قضية الأسرى من أهم ملفّات اشتغالها السياسي والعسكري، ولذلك حفل رصيدها النضالي بالكثير من محاولات الأسر منذ العام 1988. كما أن سجون الاحتلال تضمّ العديد من كوادها الذين اعتقلوا بعد التخطيط لتنفيذ عمليات أسر جنود إسرائيليين، ولعله تتصدّر حركات المقاومة كلّها، وتكاد تنفرد من بينها، في هذا الاهتمام، وذلك بالنظر إلى تنفيذ عمليات الأسر من داخل الأرض المحتلّة (إذ للمقاومة رصيد في ذلك خارج الأرض المحتلّة)، ثم تحقّق الإنجاز المركّب، من بعد تحرير قطاع غزّة عام 2005، بالاحتفاظ بالجنود، وبإتمام صفقة التبادل من الداخل، كما في حالة جلعاد شاليط.

بالنسبة للإسرائيلي، لا تقتصر القضيّة على الجانب العنصري فحسب، من حيث الخلفية العرقية والاجتماعية للجندي الأسير، ونفوذ شريحته الاجتماعية في المجتمع والدولة، ولكنه يرى القضية من منظور استراتيجي، من حيثيات متعددة؛ منها موقع السجن في أدواته بوصفه مستعمراً في احتواء النضال الفلسطيني، وكسر المناضل، والمجتمع الفلسطيني من خلفه، ومنها الحفاظ على تفوّق الجيش الإسرائيلي بحرمان الفلسطينيين من مكاسب معنوية ومادية، هي في هذه الحالة أسر الجنود ثم إنجاز صفقات التبادل عليهم، ومنها مكان الفعل النضالي، أي كونه من داخل الأرض المحتلّة، حيث يفترض أنّه صاحب التفوّق فيها. وهو يدرك، والحالة هذه، ما يمكن أن يصبّ في صالح المقاومة، لا بما هي جماعة (حماس مثلاً)، بل لصالح الفكرة والمشروع، في صراع طويل ومعقّد، ويصير كلّ هدف يتحقّق فيه بالغ الأهمّيّة في حصيلة الصراع عموماً.

كلّ هذه الحيثيات الإسرائيلية، تتبنّاها حماس من موقع مناقض، يتضح بالتزامها تجاه الأسرى وقضيتهم، التي هي قضية نضالية وصراعية في الجوهر، بقدر ما هي قضية إنسانية كذلك.

اتجه الإسرائيلي، لتكبيل قدرة المقاومة على تحقيق المزيد من الأهداف في هذه القضية، إلى إطالة أمد التفاوض، لضرب الوعي النضالي نفسه، حول قيمة أسر الجنود الإسرائيليين في هذا السياق (مضى تسع سنوات على عمليات أسر العام 2014)، وتكليف المقاومة وبيئتها الاجتماعية أثماناً كبيرة إزاء ذلك، ليس أقلّها الحصار المفروض على قطاع غزة، وتفعيل بروتوكول "هانيبال" الذي ابتكره جيش الاحتلال في ثمانينيات القرن الماضي، أثناء الهجوم على لبنان، والقاضي باستخدام القوّة الناريّة الهائلة ضدّ المجموعة الآسرة ولو أفضى ذلك إلى قتل الجنود الأسرى، ومن ثمّ تصير القضية إسرائيليّاً قضية تفاوض على رفات أموات لا على جنود أحياء. ولذلك أسرعت دولة الاحتلال للإعلان عن كون كلّ من شاؤول آرون وهدار غلودن ميتين، لا لتقوّي موقفها التفاوضي مقابل حماس فحسب، ولكن أيضاً لتحشد المجتمع الإسرائيلي خلف موقفها، ولذلك فإنّ عائلتي الجنديين المذكورين تبدوان، في الغالب، متفهمتين لموقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ العام 2014.

سياسة حماس التفاوضية، التي استخدمت تكتيك "لا معلومات دون ثمن"، تعرّضت بدورها لتساؤلات من الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم، ومن عموم الفلسطينيين، إذ اضطرت الحركة للإفراج عن معلومات عن كل من هشام السيد ومنغستو، لتحريك الملف، ومحاولة الضغط على الحكومات الإسرائيلية وهيئة أركان جيش العدوّ، في حين ظلّت في دائرة التلميحات بخصوص الجنديّين الغربيّين

سياسة حماس التفاوضية، التي استخدمت تكتيك "لا معلومات دون ثمن"، تعرّضت بدورها لتساؤلات من الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم، ومن عموم الفلسطينيين، إذ اضطرت الحركة للإفراج عن معلومات عن كل من هشام السيد ومنغستو، لتحريك الملف، ومحاولة الضغط على الحكومات الإسرائيلية وهيئة أركان جيش العدوّ، في حين ظلّت في دائرة التلميحات بخصوص الجنديّين الغربيّين، مع أنّ الإفراج عن معلومات بخصوصهما، أو بخصوص أحدهما على الأقل، هو الأجدر بتحريك الملفّ.

يصعب الحكم على هذه السياسة التفاوضية، لافتقاد المراقبين للمعلومات الكافية، ففي حين أن التكتم بخصوص مصير أسيريّ حرب 2014، قد يخدم ادعاء العدوّ بكونهما ميتين، فإنّه لا يمكن للحركة، في حال صحّ هذا التقدير، أن تسفر عن معلومات بشأنهما، لأنّ الإقرار بموتهما سيجعل موقفها التفاوضي أصعب، مما يعني أن الحركة ستُبقي أمرهما في دائرة التلميح.

قد يُسأل، في حال صحّ هذا التقدير، عن الأسباب التي دعت الحركة لرفع السقف في خطابها، بتلميحاتها المستمرّة عن حياتهما. وهنا يمكن أن نتوقع أنّها فعلت ذلك في البداية، لأنّها لا تملك خياراً آخر، كما فعل حزب الله بأسره ثلاثة جنود في عام 2006، بالرغم من تقديرات حكومة الاحتلال حينها بأنّهم أموات، وهو ما كان بالفعل.

وقد يقال إن الجنديين، أو أحدهما في حال أسر أحدهما حيّاً، قد ماتا/ أو مات في وقت لاحق، وعلى نحو كذلك لا يسمح للحركة بالإعلان عنه، ومن ثمّ فهي مضطّرة للبقاء في دائرة التلميح والمناورة بخصوصهما. أمّا إذا كان الجنديان حيين، أو أحدهما، فلا شكّ أن القسام مدعوة للنظر في هذه السياسة، إذ هي في الأصل تكتيك للضغط على العدوّ، لا ينبغي أن يتحوّل إلى الضدّ بإضعاف موقف المقاومة، لكن هل يُتصوّر أنّها غير مدركة لذلك؟!

يبقى أنّه لمّا كان الحال على النحو المذكور، لا معنى لما يقوله العديد من المراقبين والمعقّبين والناشطين الفلسطينيين على موقع التواصل الاجتماعي، بالإلحاح على كون الجنديين ميتين! إذ ما الفائدة الوطنية المرجوّة من ذلك، سوى الهذر لمجرد الهذر، أو المزايدة ممن لا يملك حقّ المزايدة أصلاً؟ فهذا الإلحاح لا يزيد المقاومة قوّة في موقفها التفاضي، بل العكس. لكن هذا لا يمنع المساهمة بالرأي، بخصوص ما يمكن أن يفيد المقاومة في أدائها في هذا الملفّ، أو يحسّن من خطابها الموجّه للأسرى وعوائلهم.

فالكثافة الدعائية الداخلية بخصوص هذا الملف، غير مفيدة معنويّاً مع مرور هذا الوقت الطويل، كما أنّ التلميحات عن "الصندوق الأسود"، و"غلّة القسام"، لا تتناسب مع التكتيك المستخدم سابق الذكر، بالتعتيم على مصير الجنديين الأهمّ، في واقع يصعب فيه الفصل بين إرادة الضغط على العدوّ، وبين ما يصل للداخل الفلسطيني، مما قد يفتح المجال للمزايدات الرخيصة على المقاومة، أو يؤثّر على معنويات الأسرى وعائلاتهم.

تسعى باستمرار لتحريك الملفّ، كما أخيراً في الفيديو المنشور للإثيوبي أبراهام منغستو، والذي تضمّن تلميحاً على لسانه بوجود "رفاق له أسرى" لدى حماس. والحقّ أن الفيديو هذه المرّة استدعى ردود فعل إسرائيلية أكثر إيجابية من أيّ وقت سابق

لكن ينبغي القول إنّ القسام لم تكتف بذلك، فهي تسعى باستمرار لتحريك الملفّ، كما أخيراً في الفيديو المنشور للإثيوبي أبراهام منغستو، والذي تضمّن تلميحاً على لسانه بوجود "رفاق له أسرى" لدى حماس. والحقّ أن الفيديو هذه المرّة استدعى ردود فعل إسرائيلية أكثر إيجابية من أيّ وقت سابق، وبما ينقض مزاعم بعض المعقّبين الفلسطينيين، الذين حالوا التقليل من أهمّيّة خطوة القسّام هذه.

وإذا كان من غير المستبعد أن يكون هذا الفيديو قد نُشِر في سياق وساطات أو مفاوضات سرّية، غير مباشرة، أو استغلالاً لتشكيل الحكومة الجديدة وتعيين رئيس جديد لهيئة أركان جيش العدوّ، واتفاق "الصهيونية الدينية" مع نتنياهو على "استخدام كلّ الوسائل المتاحة لاستعادة الأسرى"، فإنّه يندرج في التزام الحركة تجاه قضية الأسرى، وسعيها في الوقت نفسه لتعزيز التناقضات الداخلية لدى المحتلّ، تماماً كما أنّها سعت لأسر المزيد من جنود الاحتلال في معركة "سيف القدس" (2021)، مما كلّفها بعضاً من خيرة مقاتليها.

إدراك ذلك ضروري، للفصل بين المزايدة والثرثرة، وبين النصح والمساهمة في تقوية موقف حماس الوطني بخصوص هذا الملفّ، أو تحسين خطابها الداخلي فيما تعلق بشأنه!

#حماس #المقاومة #القسام #منغسيتو