فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: حقق الإضراب الذي دعت إليه الفصائل ومجموعات المقاومة وفعاليات شبابية وطلابية وفاء لدماء الشهيد عدي التميمي، الذي ارتقى بعد اشتباك بطولي خاضه قرب مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس المحتلة، استجابة شعبية واسعة.
خلال دقائق بعد إعلان الاحتلال عن استشهاد المطارد عدي التميمي، منفذ عملية حاجز مخيم شعفاط، اندفعت الجماهير نحو الشوارع في مناطق مختلفة من الضفة والقدس وغزة، مبايعة الشهيد على نهج المقاومة.
هذا التفاعل الجماهيري الواسع الفريد من نوعه، منذ سنوات، ترافق مع عمليات للمقاومة ومواجهات على نقاط التماس مع جيش الاحتلال والمستوطنين.
يطرح الإضراب والحركة الجماهيرية المتزايدة تفاعلاً مع مجموعات المقاومة التي نمت واشتد عودها، مؤخراً، تساؤلات حول أسباب هذه الحالة ومعانيها في سياق الصراع مع الاحتلال.
هل استعاد المجتمع الفلسطيني عافيته؟
تحتاج أي حركة سياسية أو نضالية مجتمعاً قوياً يمدها بأسباب الحياة. دفع المجتمع الفلسطيني ثمناً باهظاً من الكوادر السياسية والعسكرية الأساسية فيه، بفعل حملة الاغتيالات والاعتقالات التي نفذها جيش الاحتلال لتدمير انتفاضة الأقصى، وقد كتب الكثير عن تأثير الحملات الأمنية والعسكرية المكثفة على المجتمع الفلسطيني خاصة في الضفة الغربية، خاصة في مرحلة ما بعد انتفاضة الأقصى.
إذا كان لأحد أن يكتب تاريخ الضفة الغربية والقدس بعد انتفاضة الأقصى، فسيكون الجزء الأهم والأكبر منه لــ"الرواد" أو الفدائيين من مختلف الفصائل، الذين حفروا في الصخر لإدامة الوعي بالمقاومة، في العقل الجماعي للجماهير الفلسطينية، في ظل حملات الملاحقة الأمنية والسياسات المخطط لها إقليمياً ودولياً ومحلياً لإبعاد المجتمع عن السياسة بمعناها المقاوم.
هذا السعي الدائم من مئات الأسرى المحررين والشهداء، والثمن الباهظ الذي دفعوه من حريتهم وحياتهم وحتى لقمة عيشهم، في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الضفة الغربية كان شرارة دائمة لتذكير المجتمع بالتحدي الاستعماري الذي يهدد مستقبلهم ووجودهم، ويبقي على سياق المدافعة مع مشاريع "التطبيع" و"السلام الاقتصادي" حاضراً.
لا يمكن الزعم أن المجتمع الفلسطيني استعاد "عافيته" السياسية التي عرفناها في انتفاضات سابقة بالكامل، لكن التراكمات التي حققتها الهبات السابقة والمواجهات مع جيش الاحتلال، وصولاً إلى هذه المرحلة "الجديدة" في الزمن الفلسطيني المقاوم، تجعل الأمل أكبر نتيجة للتفاعل الشعبي الواسع المتزايد مع الأحداث الميدانية المختلفة، خلال الأسابيع الماضية.
استعاد الحيز العام
شكل استعادة الشارع لصالح القوى المقاومة والثورية تحدياً أساسياً، طوال سنوات في الضفة الغربية، وطالما اشتكى النشطاء من "ضعف" التفاعل الجماهيري مع الأحداث الكبرى والقضايا الوطنية.
الإضراب هو الصورة الأوضح لاستعادة قوى رفض الاحتلال للشارع الفلسطيني، وهذا يظهر بوضوح في الاستجابة الجماهيرية مع الأحداث الكبرى ودعوات مجموعات المقاومة، خاصة في شمال الضفة.
في بعض أوجه الصراع مع الاحتلال على الضفة، تحضر مسألة "السيادة" بصورة مركزية في العقل الأمني والعسكري الإسرائيلي الذي يرى في الضفة "خاصرة حساسة" على عمقه الاستراتيجي في الساحل الفلسطيني المحتل، لذلك فإنه يسعى باستمرار لانتزاع "السيادة" على المنطقة، وحرمان قوى المقاومة من تحقيق سيادة في الشارع أو الميدان.
حتى لا نركن لــ"هرمونات الغضب" فقط
تشكل حالة الغضب والفعل الجماهيري المباشر والسريع في الميدان، بعد كل جريمة من قبل الاحتلال، القنطرة الرئيسية الأولى التي يبنى عليها الفعل الثوري في كل مرحلة، وهي ضرورية لإنضاج الظروف التي تكون قد تشكلت عبر سنوات، وحالة انتفاضة الأقصى نموذج واضح على هذا التحليل، إذ شكل اقتحام أرئيل شارون للمسجد الأقصى الشعلة التي اندلعت منها أطول وأقسى مواجهة بين الشعب الفلسطيني وجيش الاحتلال، داخل فلسطين المحتلة.
لكن علمنا التاريخ الفلسطيني وتجارب الثورات أن الركون إلى "ردات الفعل" وحده، ليس من السياسة السليمة في شيء، إذ أن الفعل اليومي التراكمي يخلق تغييراً دائماً في الوعي والحقائق على الأرض، وهو ما تحتاجه هذه المرحلة من كل مكونات الحالة النضالية الفلسطينية.
كثيرة هي الأحداث النضالية التي قيل إن ما بعدها ليس ما قبلها في الصراع مع الاحتلال، من "سيف القدس" إلى عملية "نفق الحرية" ومعركة "وحدة الساحات" واستشهاد إبراهيم النابلسي وأخيراً ارتقاء المطارد عدي التميمي، وكما في كل تاريخ البشر فإن المجتمعات تخلد رواداً استغلوا اللحظة التاريخية لبناء تغيير على الوضع القائم، وفي هذه المرحلة كان للشهداء جميل العموري والنابلسي وصبح والعزيزي والشيشاني ورفاقهم من الأسرى والمعتقلين السياسيين مثل مصعب اشتية دور في نقل المجتمع الفلسطيني إلى "زمن جديد" إن جاز التعبير، ما زال يكشف لنا يومياً عن أخبار جديدة، قد يكون لها تأثير كبير على مستقبل الصراع.