نابلس - قُدس الإخبارية: دقائق فقط فصلت بين بيان "عرين الأسود" ونزول جماهير إلى الشارع في مناطق مختلفة من الضفة المحتلة، الليلة الماضية.
وجهت "عرين الأسود" بياناً عبر حسابها في منصة "التلغرام"، إلى الجماهير الفلسطينية لإطلاق التكبيرات عند الساعة 12:30 من منتصف الليلة الماضية، نداء عرين الأسود استنفر كل فلسطيني للمشاركة في التصدي للاحتلال قائلة: "هذا بيان للنفير لكل مواطن يستطيع حمل السلاح، كن على أتم الجاهزية في هذه الليلة المباركة، إلى كل مواطن يستطيع القتال بأي شيء كن على أتم الجاهزية أراد الإحتلال أن يخدعنا مرة أخرى من خلال إعلامه هذه الليلة وتغيير صوت طائراته".
التكبيرات انطلقت من منازل نابلس وشوارعها إلى أحياء جنين ومخيمها ثم إلى رام الله والبلدات المحيطة بها، في استجابة جماهيرية سريعة من نداء مجموعات "عرين الأسود، في مؤشر واضح على الثقة التي اكتسبتها مجموعات المقاومة.
استجابة الجماهير لنداء "عرين الأسود" ترافق مع عمل عسكري في الميداني، نفذته "كتيبة مخيم بلاطة"، التي أعلنت عن تنفيذ عملية إطلاق نار تجاه أهداف للاحتلال شرقي نابلس، دعماً لرفاق "الدم والسلاح".
نزول الجماهير… سقوط للعقوبات
تأتي الحركة الجماهيرية تلبية لنداء "عرين الأسود" بعد أيام على حصار مشدد فرضه جيش الاحتلال، على محافظة نابلس، بهدف دفع المجتمع الفلسطيني إلى الانصراف عن حركة المقاومة والاحتجاج عليها، وهو ما عبر عنه بوضوح وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، الذي أعلن في تصريحات صحفية قبل أيام عن تفعيل "الهسباراه" بهدف قصف الوعي الفلسطيني، بدعم من وسائل الحصار والعقوبات الجماعية.
انقلبت السياسات العدوانية الإسرائيلية التي تندرج في إطار فلسفة "العقاب/ الثواب"، من المنظومة الاستعمارية للمجتمع الخاضع للاحتلال، إلى صالح المقاومة بفعل الالتفاف الجماهيري الذي أكد على استعداد المجتمع لتقديم الثمن اللازم للخلاص من الاحتلال.
الحراك الجماهيري في الميدان يأتي تزامناً مع تسريبات إعلامية إسرائيلية، عن مخططات لجيش الاحتلال لتنفيذ عملية عسكرية في نابلس، لاقتلاع مجموعات "عرين الأسود"، وهنا يحضر البعد النفسي في هذه الأخبار إذ يطمح الاحتلال لدفع المجتمع نحو الانكماش عن الفاعلين في الميدان، نحو خيار أكثر "أمنا" في ظل هذه التهديدات الإسرائيلية.
في معنى الاستجابة الجماهيرية السريعة
منذ سنوات، يشتكي النشطاء الفلسطينيون من ضعف "التفاعل" الجماهيري مع الفعاليات الوطنية بمختلف أشكالها، وكتبت خلال هذه الفترة دراسات ومقالات في تحليل وتشريح أسباب "نفور" أو "تراجع" المجتمع الفلسطيني عن الاستجابة لدعوات النزول إلى الميدان، لكن الاستجابة الجماهيرية السريعة مع بيانات "عرين الأسود" يفتح باباً جديداً من التصورات، عن محركات التفاعل لدى الفلسطينيين.
لا يمكن إنكار طبيعة كل مرحلة والانطلاق منها للحكم على التجربة، تأتي تجربة "عرين الأسود" ومجموعات المقاومة في شمال الضفة تحديداً، في ظل أحداث كثفت الزخم المقاوم في الوعي الجماعي الفلسطيني، أولها كانت معركة "سيف القدس" التي وحدت للمرة الأولى منذ عقود الفلسطينيين في مسار واحد من المواجهة مع دولة الاحتلال، وثانيها عملية "نفق الحرية" التي حرر فيها ستة أسرى أنفسهم من سجن "جلبوع".
كان الأسرى الستة وهم يحررون أنفسهم عبر نفق حفروه أسفل أحد أعتى السجون الإسرائيلية، في الإجراءات الأمنية، يطلقون كوامن التحدي لدى مجتمع كامل، استنزفت طاقة جيل كامل فيه جراء الملاحقة والإجراءات الأمنية الاستعمارية، في مرحلة انتفاضة الأقصى وما بعدها.
جيل جديد يولد الآن في التجربة الوطنية الفلسطينية، يستند إلى تراث حي من مقاومة الشعب الفلسطيني الممتدة منذ 100 عام ضد الاستعمار، ويخلق معه تجربته الجديدة أيضاً المتحررة من القيود التي كبلت المجتمع الفلسطيني بعد انتفاضة الأقصى.
ومن هنا يمكن قراءة الاستجابة الجماهيرية السريعة لبيانات "عرين الأسود"، من الثقة التي اكتسبتها مجموعات المقاومة، ثم من جيل متعطش للمقاومة ولتجاوز مرحلة ماضية، وتجسيد هذا الجيل في الطليعة المقاومة من جميل العموري، وإبراهيم النابلسي، وعبد الرحمن صبح، ومحمد العزيزي، وقيس شجاعية، ومتين ضبايا، مع جيل رافق المقاومة في مراحلها السابق مثل داود الزبيدي، والطبيب عبد الله أبو التين، ورفاقهم الشهداء.