رام الله - خاص قدس الإخبارية: رغم مرور 29 عامًا على توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وإجهاض الإسرائيليين لغالبية بنود الاتفاق إلا أن السلطة تتمسك حتى الآن باستمرار العمل به كخيار واحد ووحيد.
وكثيرًا ما اعترفت قيادات السلطة الفلسطينية وحركة فتح باختراق الاحتلال للاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 1993 إلا أن سلوكها الميداني والعملي ما يزال يتحرك في سياسة تبني الاتفاق والعمل بمضامينه رغم التنصل الإسرائيلي شبه الكامل من بنوده.
وتشكل تصريحات رئيس الحكومة محمد اشتية، دليلاً إضافيًا على حالة الإحباط التي تعيشها المؤسسة الفلسطينية الرسمية من السلوك الإسرائيلي المتنصل من الاتفاق والذي يقتصر على تقديم بعض التسهيلات المحدودة المتعلقة بالشق الاقتصادي.
وتحدث اشتية في جلسة الحكومة الأخيرة المنعقدة في رام الله بتاريخ 12 سبتمبر 2022، عن اتفاقية أوسلو قائلاً: "إسرائيل لم تبقِ شيئا يذكر من الاتفاق، وألغت معظم بنوده، وضربت بها عرض الحائط، وألغت الشق السياسي والاقتصادي، والجغرافي، وامتنعت عن التفاوض على قضايا الحل النهائي، واستمرت بإجراءاتها الأحادية، وعنوان ذلك الاستيطان، واستمرت في اقتطاعاتها المالية بما هو مخالف للاتفاق، وأوقفت الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى التي كان من المفترض أن تضم كريم يونس وإخوة آخرين، والأسرى المرضى، بما هو مخالف للاتفاق".
وإلى جانب تصريحات اشتية، تحضر المهلة التي سبق وأن أعلن عنها الرئيس محمود عباس إلى المشهد كموعد للاحتلال ليمنح الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم أو الذهاب نحو إجراءات وخيارات أخرى، حيث من المقرر أن تنتهي المهلة بتاريخ 23 سبتمبر الجاري.
فلسطينيًا، تطرح شرائح متعددة من المجتمع والفصائل تساؤلات عن أسباب التمسك الرسمي من قبل السلطة وقياداتها بالاتفاق رغم اعترافهم العلني بإجهاض الاحتلال له وتنكره الكامل لغالبية بنوده لا سيما الشق السياسي الخاص به.
في الوقت ذاته تعارض الفصائل الفلسطينية الاتفاق، كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة حماس، وتنادي بضرورة التخلص منه ووقف التنسيق الأمني المترتب عليه.
وإلى جانب ذلك، يبرز خيار ثالث مطروح وهو حل السلطة الفلسطينية والاتفاق على برنامج عمل مقاومة مشترك تتولى فيه الفصائل الاشتباك ضد الاحتلال بعيدًا عن ضغوطات اتفاقية أوسلو، غير أن هذا الخيار لم يصل إلى حالة الإجماع.
في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل إن الاحتلال من الأساس لم يكن جاهزا للوصول إلى الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وهو منطق مخالف للمخططات "الصهيونية" الأساسية التي ترى في فلسطين أنها حق للإسرائيليين.
ويضيف عوكل لـ "شبكة قدس" أن هناك خديعة كبرى فيما يتعلق بأوسلو وما دعمها هو المتغيرات الإقليمية والدولية في ذلك الوقت لكن ومع مرور 3 عقود على الاتفاق فإن طريق "السلام" مغلق بسبب الأطماع التوسعية الإسرائيلية.
ويردف قائلاً: "لا يكفي الاعتراف بأن الاحتلال قد تنكر للاتفاق، بل يجب الوصول إلى قناعة بأن طريق السلام لم تعد فيه إمكانية للمراهنة على وضع جديد ومنهج جديد يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وبحسب عوكل فإن أوسلو بشكلٍ عملي لم ينته بل ما انتهى هو الطموحات والآليات الخاصة بالاتفاق، فوجود السلطة نفسه يقول إن واحدة من أهم آليات أوسلو موجود إلى جانب التنسيق الأمني والتحكم في شؤون الفلسطينيين والشق الاقتصادي من الاتفاق".
ويبين أن الاحتلال أنهى الشق المتعلق بالحقوق الفلسطينية وأبقى على ما تبقى منه كونه يرى فيه مصلحة له، ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال القول إن اتفاق أوسلو انتهى بنسبة 100% في المرحلة الحالية بالرغم من الحديث الفلسطيني والإسرائيلي.
ويؤكد عوكل على أن الوقائع على الأرض تثبت أن الحديث عن حل الدولتين غير واقعي سواء بمؤتمر دولي أو غيره، كون المؤشرات الدولية سبق وأن تم تجريبها إلى جانب التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، كما أن خيار الدولة الواحدة غير مطروح.
في سياق متصل، يقول الكاتب والمختص في الشأن السياسي أحمد رفيق عوض إن السلطة تؤخر الخيارات البديلة عن أوسلو كونها تعتقد أنه يمكن الحصول على دولة عبر الضغوط الدولية أو حدوث تغير في "المجتمع الإسرائيلي".
ويؤكد عوض لـ "شبكة قدس" أن السلطة ما تزال تبحث عن أدوات مثل استعمال القانون الدولي أو استعمال الوسطاء، إذ أنها ما تزال تعتقد أنه يمكن الاستمرار بالاتفاق رغم ردائته وسوءه كونه الخيار الأضمن للسلطة نظرًا لاختلال معادلة القوى.
ويستكمل: "السلطة لا تفكر حتى اللحظة في مسألة تغيير اتفاق أوسلو كونها ترى أن الخيارات الأخرى مكلفة جدًا وغير مضمونة النتائج إضافة إلى الانقسام السياسي الذي يمنعها من ذلك، عدا عن عدم الاتفاق الفصائلي والمجتمعي لحل السلطة".
ويعتقد عوض أن "مسألة بقاء السلطة ربما تكون خيار مجتمعي من قبل الفلسطينيين أنفسهم بمعنى أن فئة ذات غالبية لا ترى في حل السلطة خيارًا كونها تعيل آلاف الناس وتوفر سقف معين من الحد الأدنى في المرحلة الحالية".
ويشير إلى أن المجتمع الدولي لا يشجع السلطة على الانفكاك والتحلل من الاتفاقيات وينفق على السلطة من أجل أن تبقى وفقًا للاتفاق نفسه، وهو ما يجعلها تحافظ على استمرار دورها وعملها قائمًا حتى اللحظة دون البحث عن بدائل.
ويرى عوض أن الاحتلال يتعامل بمبدأ متناقض مع السلطة واتفاق أوسلو فهو يعتبرها دولة حينما يتعلق الأمر بحماية مصالحه الأمنية، ويتعامل بمنهج آخر حينما يريد الاحتلال أن يمارس الاستيطان والتهويد في مناطق الضفة.
ويلفت الكاتب والمحلل السياسي إلى أن مسألة الوصول إلى الدولة بعيدة جدًا وهو ما يتطلب حوار مجتمعي بشأن جسم السلطة نفسه إلى جانب أنه وبعد مرور 29 عامًا على اتفاق أوسلو فإن صورة الدول التي رسمت صعبة جدًا وبعيدة المنال جدًا.