يأتي كشف جيش الاحتلال عن نفق للمقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة، في سياق تدافع محموم بين الأوساط العسكرية الإسرائيلية، في ضوء التغييرات المرتقبة، في رئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية، ليأخذ الإعلان شكلا دعائيا محدودا معتمدا على الصور والفيديوهات، بينما لم يستطع جيش الاحتلال أن يبني سردية نصية قوية حول الحدث لأسباب عدة.
السبب الأول، هو أن وجود نفق للمقاومة، وهنا يدور الحديث عن حركة حماس، يعني أن الأخيرة تعمل بشكل مستمر على بناء قدرات هجومية، وبالتالي فإن ما يروج له الاحتلال من مفاهيم الردع وعدم وجود نية المبادرة في الهجوم لدى المقاومة، هو في أحسن أحواله تخدير لجمهور المستوطنين الذي بدأ يفقد الثقة بآلته الحربية ومفعولها، وبجيشه.
أما السبب الثاني، الذي يمنع الاحتلال من تضخيم الحدث دعائيا، فهو أن طبيعة النفق تدلل على مهمته وهدفه؛ خطف مستوطنين أو جنود إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وهذا يعني أنه في ظل عدم قدرة جيش الاحتلال والأذرع الأمنية الاستخباراتية الإسرائيلية على حل هذه القضية من خلال إجراءات أمنية وعسكرية، فإن المقاومة مستمرة في المضي قدما لتعقيد هذا الملف في سبيل حله.
يدرك الإسرائيليون أن الكشف عن مثل هذه الأنفاق لا تشكل للاحتلال إنجازا إلا في إطار زمني محدود جدا، لأن الصورة الأوسع هو وجود طرف يسعى بكل قوته لتنفيذ عمليات قد يكون نتيجتها قتل أو أسر جنود أو مستوطنين، ما يعني إذا زال خطر نفق، فإن عقيدة الهجوم عبر الأنفاق غير زائلة، وهناك مقاومة مستعدة للحفر في باطن الأرض مئات الأمتار لتحرير أسراها، وهناك تتكشف أكثر أهمية الفرد في عقيدة المقاومة مقابل أهمية الفرد في العقيدة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
ويتضح من الإعلان الإسرائيلي أنه يحاول إبعاد الشك حول فاعلية الجدار الجديد الذي أقامه، جدار متعدد الطبقات، في ظل أن تقارير إسرائيلية تحدثت عن إمكانية وجود ثغرات فيه تستغلها حركة حماس، والنفق الذي اكتشفه جيش الاحتلال يؤكد من جديد أن هذا الجدار لم يمنع المقاومة من مواصلة الاعتماد على سلاح الأنفاق، وبالتالي لديها من الإمكانيات والمعلومات وتقدير الموقف ما يشير إلى أن الإمكانية للاعتماد على هذا النوع من السلاح ما زالت متاحة.
ولعل الرسالة الأهم، التي قرأها الإسرائيلي، وحتى الفلسطيني، أن المقاومة ليست في وضع انتظار لإتمام صفقة تبادل، وليست أسيرة الخيارات والرهانات والسياسات الإسرائيلية، فهي بالتوازي مع عملها على إعادة ملف الأسرى على طاولة قادة الاحتلال بمختلف الوسائل، تعمل كذلك على تنفيذ عمليات أسر جديدة، ومثل هذه المدخلات والمعطيات تكون بالضرورة جزءا من النقاش السياسي والأمني الإسرائيلي حول صفقة التبادل مع المقاومة.