لا شك أن تصريح المتحدث باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" عن "تعرض أحد الأماكن خلال معركة سيف القدس العام الماضي لقصفٍ صهيونيٍ أدى إلى استشهاد أحد مجاهدي وحدة الظل وإصابة ثلاثةٍ آخرين أثناء قيامهم بمهمة حراسة أحد الجنديين"، يمس بمصداقية حكومة الاحتلال، وخاصةً وزير جيشها بيني غانتس الذي قال قبل خمسة أيام في مقابلة أجرتها معه قناة "كان" العبرية: "أعتقد أن الأسرى يتلقون رعاية طبية، لأن حماس معنية بإبقائهم على قيد الحياة، ونحن بحاجة لأن نرى أنه ستكون هناك صفقة كاملة، لإعادة الجنود الذين أرسلناهم إلى قطاع غزة في رأيي، وهذا مهم للغاية وسنسعى جاهدين من أجله"، على حد تعبيره.
خروج القسام اليوم أمر كان لا بد منه، لسببين، الأول أنه كشف زيف وكذب قادة وحكومة الاحتلال، ويثبت أنهم يحاولون قتل الجنود الإسرائيليين بأي ثمن، وليس كما قال وادعى "غانتس" بأن "حكومة الاحتلال تتعامل طوال الوقت مع قضية الأسرى والمفقودين في غزة طوال الوقت، لكن لم يتم إحراز أي تقدم بعد".
منذ ثماني سنوات على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، تحاول قيادة الاحتلال المماطلة وتجاهل ملف الجنود المفقودين في غزة لأنها تدرك أن هناك ثمنًا كبيرًا ستدفعه في الصفقة القادمة، سيساهم في تحقيق إنجاز كبير وغير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، وهي تحاول حرمان حركة حماس من تحقيقه، أو على الأقل تأخيره لأبعد نقطة تهرب، فكل قائد إسرائيلي لجيش الاحتلال يلقي الملف على طاولة قائد آخر.
لكن إلى أي مدى يمكن أن تصمد حكومة الاحتلال بالمماطلة؟ باعتقادي أن القسام أثبت أنه يمتلك أوراقا عديدة يستطيع التحكم فيها بمجريات معركة صفقة التبادل، قبل أسابيع عرضت الكتائب مقطعا مرئيا يظهر تدهورا في صحة الجندي هشام السيد، واليوم تنشر خبرًا فيه حلقة مفقودة، أعلنت عن جزء من الخبر باستشهاد أحد مقاتليها، وبقي مصير الجندي مجهولاً.
النقطة المهمة في الأمر، أن التصريح يقرع جرس الإنذار في أذن قيادة الاحتلال وعائلته حول مصير الجندي ، بالتأكيد غدا هناك مسيرة كبيرة ستنظمها عائلة الضابط المفقود بغزة هدار جولدن، على السياج الفاصل مع غزة، سبق القسام التصريح بنشر صورة للجنديين هدار جولدن وشاؤول أرون وهذا يعني أن الحدث يتعلق بأحدهما، ما سيدفع العائلة بالمطالبة بمعرفة ماذا جرى له، وسيزيد من غضبها على غانتس وقادة الاحتلال بعدما تبين كذبه، وأن صحة الجنود ليست بخير، وأن قيادة الاحتلال هي أول من يريد موتهم وعدم إعادتهم من غزة.
حاول غانتس إرضاء عائلات الجنود، التي تتهم قادة الاحتلال بالمماطلة، لكن كتائب القسام اليوم تعريه أمام المجتمع الإسرائيلي بأكمله، وتثبت أنها حكومة كاذبة، ولا تتوقف عن الخداع وتسويف الوقت، حتى يموت الملف أو يموت أحد الجنود أو كلهم، فهل ستقتنع العائلات هذه المرة؟ أم ستبقى تجري وتركض خلف أوهام الحكومات الإسرائيلية.
في النهاية، واضح أن القسام قررت حرق حكومة الاحتلال في هذا الملف على نار هادئة، فيخرج المعلومات وفق ما هو متاح، وفي نفس الوقت يدير المعركة بشكل مختلف عن السنوات السابقة، ولا يترك لحكومة أي فرصة للتلاعب والكذب، فتضيق الحلقة على الحكومة أكثر، ولم يعد بالإمكان استمرار الهروب وكأن شيئا لم يكن، وباتت خياراتها في التنصل من مسؤولياتها أمام الجمهور الإسرائيلي محدودة.