شبكة قدس الإخبارية

حراك نقابة المحامين.. هل تستعيد الحركة النقابية الفلسطينية حيويتها؟

2-189
أحمد الطناني

تستمر منذ أسابيع الفعاليات التصعيدية التي تنظّمها نقابة المحامين النظاميين الفلسطينيين، احتجاجاً على "القرارات بقانون" التي أصدرها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إذ شملت الخطوات النقابية التعليق الشامل للعمل أمام كلّ المحاكم في الضفة المحتلة، وقد شمل ذلك تعليق العمل في النيابات المدنية والإدارية والعسكرية والدوائر الرسمية ودوائر التنفيذ وكتّاب العدل وإخلاء مقرّات المحاكم بشكل كامل من المحامين وموظفي النقابة.

أعطت النقابة فرصاً كثيرة للحوار كان آخرها، يوم الأحد الماضي، حين قلّصت خطواتها الإحتجاجية ليوم واحد، وهو يوم جلسة الإجتماع مع المجلس التنسيقي لقطاع العدالة للوصول لصيغ توافقية، غير أنّ الإجتماع باء بالفشل ولم يصل إلى أي نتائج مقبولة بالنسبة للمحامين.

تهدّد نقابة المحامين بالذهاب إلى الخطوة التصعيدية الأكبر في تاريخها، والأكبر على صعيد أي نقابة محامين في العالم، ألا وهي خطوة العصيان المدني أمام تنفيذ القوانين، إذ تعتزم النقابة الدعوة لاجتماع شامل لجمعيتها العمومية (كل المحاميين المنتسبين للنقابة) واتخاذ قرار الإنتقال الطوعي لخيار عدم المزاولة للمهنة، أي إنهاء عملهم كمحامين مزاولين.

في الواقع، تخوض النقابة معركة أبعادها بالغالب قانونية، إذ أنّها رفعت مجموعة من التعديلات الجوهرية والملاحظات الرئيسية حول عدد من الحقوق التي تمسّها تعديلات القوانين الجديدة التي صدر بموجبها “قرار بقانون” من رئيس السلطة، الذي بات اليوم هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية بعد حلّ المجلس التشريعي، حيث أنّه يُصدر “قرارات بقانون” كلما استدعت الحاجة ودون الإلتفات لضربه لقيم الفصل بين السلطات بعرض الحائط.

التدخل السافر في القوانين، والذي سبقه تدخل في المنظومة القضائية عام 2019، الذي نتج عنه تعديل قانون السلطة القضائية على نحو يجزِّئ تبعيتها للسلطة التنفيذية، ويقيم إدارة قضائية تُعيَّن من قِبل الرئيس حيث كُلّف مجلس أعلى للقضاء يرأسه القاضي عيسى أبو شرار، وهو ما يُعدّ مزيداً من التداخل ما بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بما يذوّب كل المساحات التي كانت تفصل بين السلطات ويعزّز سلطة الفرد الواحد، إذ يكون رئيس السلطة هو مصدر كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، في ترسيخ للنظام القمعي وتفكيك أي بُعد قانوني أو ديمقراطي لمؤسسات الحكم في السلطة.

لا تقف تعديلات القوانين الجديدة عند الحدود الإجرائية المتعلقة بإدارة الشأن القانوني والقضائي وإجراءات التقاضي في المحاكم، ولم تقف عند ترسيخ هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات القضائية وتهرّب السلطة من استحقاقات زيادة عدد القضاة، بل تتعدى ذلك إلى إقرار تعديلات تُجيز التمديد للموقوفين دون حضورهم في المحكمة، وهي تستهدف بحسب الخبراء القانونيين شرعنة الإعتقالات التعسفية على خلفيات سياسية، بل وتمهّد لتوسيع دوائر الإعتقال السياسي والتعذيب والقمع بدون أي وازع قانوني أو خشية رجال الأمن من أن يمثُل المعتقل أمام القضاء لتمديد اعتقاله، وهو ما يؤكد أنّ هذه التعديلات في جوهرها تستهدف تعزيز القبضة الأمنية للسلطة بغطاء قانوني مُعمّد بـ”بقرار بقانون” صادر عن رئيسها.

تخوض نقابة المحامين حراكها الحالي بعزم كبير، علماً أنّه حراك ليس وليد اللحظة بل جاء بعد أن استنفذت النقابة كل الخطوات لمعالجة الإخلالات بالحوار، إلا أنّ التعديات على الجسم القضائي والقانوني الفلسطيني في السنوات الأخيرة، ساهمت في ترسيخ مجلس أعلى للقضاء يتولى تسهيل مهمة الجهاز التنفيذي للسلطة ويقف عائقاً أمام تنفيذ ملاحظات نقابة المحامين.

لا تُعدّ المعركة التي يخوضها المحامون اليوم معركتهم وحدهم، فما يقاتلون لأجله لا يمسّ المحامين وحدهم، ولا يمسّ إجراءات التقاضي فقط، بل يطال كل مواطن فلسطيني مُعرّض لاستغلال هذه التعديلات في انتهاك حقوقه، واعتقاله واحتجازه تعسفاً وخضوعه للتعذيب والإنتهاكات دون أي رادع للمنظومة الأمنية.

يرفع المحامون الصوت عاليا، ويقرعون جدران الخزان بصخبٍ ليس ضد تعديلات القوانين الحالية فقط، بل يعيدون للواجهة التمادي المستمر والمتصاعد على كل المؤسسات الرسمية الفلسطينية، الذي بدأ من تهميش مؤسسات منظمة التحرير ولم يتوقف عند تفكيك مؤسسات السلطة التشريعية والقضائية وترسيخها كسلطة قمعية قائمة على حكم الفرد بدون انتخابات أو أي بُعد ديمقراطي، شخص يتولى التشريع والتنفيذ والتقاضي، حيث أصبح إصدار “قرار بقانون” الأداة الأسهل لتمرير مشاريع تعزيز هذا النظام الفردي الذي يطبّق كل ما ورد في وصفة الأنظمة الديكتاتورية القمعية.

على المنحى الآخر، وبالرغم من ظلامية المشهد واستعارة المعركة السلطوية ضد كل ما هو ديمقراطي، فإنّ نقابة المحامين قد أعادت الأمل في نهضة النقابات والحركة النقابية الفلسطينية لتستعيد دورها كحارس أمين على الحقوق، وكطليعة في النضال المطلبي والتصدي لانتهاكات وتجاوزات السلطة الحاكمة وخوض المعركة المطلبية الديمقراطية لانتزاع حقوق أبناء الشعب الفلسطيني القاطن تحت حكم السلطة الفلسطينية.

لقد شدّ الحراك النقابي للمحامين بخطواته الثابتة وعزيمته المتميزة من عضد النقابات والأجسام النقابية الأخرى، التي صدّرت مواقف علنية تُعلن انحيازها لنضال نقابة المحامين واستعداداها الكامل للإنخراط في فعالياتها، إذ كانت مواقف نقابة المهندسين والعاملين في الجامعات والأطباء ومجموعات وتجمعات الصحافيين والأطر النقابية هي مواقف تبعث على الفخر، وتبعث على الأمل في عودة الحيوية للأجسام النقابية الفلسطينية، خصوصاً تلك التي نجحت في إجراء انتخاباتها واختارت قيادات نقابية قوية باتت تعكس نفسها على الواقع النقابي الفلسطيني، الذي تحتاجه القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، واقعاً نقابياً قوياً وواعياً وحاضراً في ميادين العمل المطلبي والوطني.

بالتأكيد، سينتصر حراك المحامين النقابي، وبالتأكيد ستكون هذه التجربة نموذجاً حاضراً ونبراساً يُعيد للنقابات والأجسام النقابية ثقتها بقدرتها على الدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني عموماً، وعن منتسبيها خصوصاً، في وجه “تغوّل” السلطة والتعدّي على حقوقهم، ويجب أن يتحوّل هذا إلى محفّز للإصرار من أجل عقد انتخابات باقي النقابات المهنية والعمالية لتتقدم قيادات نقابية حقيقية لا تقبل على نفسها أن تكون حبيسة لأجندات السلطة أو أحزاب السلطة، بل تكون وفية لبرامجها النقابية والوطنية وتعيد الإعتبار للعمل النقابي الفلسطيني.

 

 

#نقابة - المحامين