شبكة قدس الإخبارية

محاولة اغتيال ناصر الدين الشاعر.. مؤشر مكتمل

FYSYmdjXEAIjtCB
ناصر دمج

لم تصمد أياً من الحكومات الوطنية على مستوى العالم، أمام جائحة كورونا وارتداداتها العاتية، سوى الحكومة الفلسطينية، التي لم توفق في ظني بأي من مساعيها المكرسة للبناء والإصلاح والتجديد والتعافي.

الأمر الذي يؤشر، على أنها طورت مهاراتها في عدم التفاعل مع هموم ومشكلات رعيتها، وكأن العامين الماضيين، لم تقع فيهما أحداث فاصلة في فلسطين والعالم الذي يحيط بها؛ بدءاً من الشروع بتنفيذ خطة الضم وتعاظم خطر الاستيطان، إلى جائحة كورونا، واحتجاز أموال الضرائب، وقصف غزة وقتل نزار بنات، والتحديات المحدقة بالمسجد الأقصى والقدس، واضطراب وتيرة دفع الرواتب للموظفين العموميين، وتعاظم معدلات العنف المجتمعي، وتصدر رواد العرف العشائري لمساعي فض المشكلات وحلها، وتحول الميراث العِدائي بين الأفراد والجماعات لعقيدة عمل، ما يضع الفئات المهمشة والمظلومة، والتي تشعر بالحرمان من العدالة، لتربص الأيام حتى تنال ثأرها جراء انعِدام العَدالة، والاستثناء السيّاسي والمُؤسَسي الفظ.

في مثل هذه الحالة، والحالات المماثلة من طرق الحكم والإدارة، يمكننا التنبؤ بأن الدولة ماضية في طريقها إلى الاستقرار في صميم حالة مزمنة من الفشل العام، والقبول بمقاسمتها سيادتها؛ واحتكارها لممارسة القوة وفرض النظام مع آخرين.

والدولة الفاشلة، هي: وصف يطلق على الدول أو السلطات الحكومية التي لا تَستطيع مُمارسة واجبها السيادي داخل حُدودها الإقليمية والدولية، وتَنفرد بممارسةِ القوة على اعتبار أنها المخولة باحتِكار مُمارستها بلا منازع أو شريك، وذلك بِسبب بُروز قوى وميليشيات أو أحزاب مُسلحة أو جنرالات عَسكريّين مُتمردين، أو تُجار مُخدرات، أو شيوخ عشائر وزعماء عصابات ومراكز قوى متعددة الوظائف، تنافس الدولة على هذا الاحتكار، لتفقد الدولة تدريجياً قُدراتها الوظيفية والسِيادية تجاه البلاد التي تَحكمها؛ ويصبح من المشكوكِ فيه وجود دولة ما فَوق هذِه الأرض أو تلك، وعلى ضوء ذلك تُصبح دولة فاشلة State Failed .

ويعرِّف (مركز أبحاث الأزمات) في كليةِ لندن للدراساتِ الاقتصاديّة، فشِل الدولة بأنّه: "انْهِيار الدولة الجُزئي أو الكُلي وعَدم تَمكنها من أداء وظائِف التَنمية الأساسية وحمايّة أمنها العام والأمن الفردي لِلمُواطنين وفَرض سَيطرتها على أراضيها وحُدودها وإنفاذ القانون بوجه عام".

ووفقاً لمؤشرِ مَجلة (FOREIGNPOLICY) الأمريكية التي تجري تَقييماً سَنوياً باستخدام هذا المؤشر لتسمية الدولِ الفاشلة، والذي يَتكون من إثني عشر درجة وعاملاً دالاً، ومن هذِه العوامل وجود دولة داخل دولة، وبروز نُخب سياسيّة أو عَسكرية أو عشائرية ومراكز قوى أثمة، قادرة على قضم القضمة التي تشتهيها من كعكة السيادة الوطنية.

وتَناول العَديد من المفكرين والساسَة الغربيّين في أدبياتهم وخطاباتهم وتحليلاتهم السياسية، مصطلح (الدولة الفاشلة) وتحليل مَدى خُطورته على الأمن الوطني للدول، وعلى الأمن العالمي وعلاقَته بالإرهابِ العالمي، وذلِك كمقدمة لإدراج الدول المستهدفة ضِمن هذا الكشف وتبرير التدخل في شؤونها الداخلية وصولاً إلى فرض الوصايّة عليها، من خلال إرسال قوات دولية، أو خُبراء عَسكريين لتدريب قُواتها المحلية، وإطلاق يد البعثات الاستكشافية والتدريبّة في مُختلفِ المَجالات لتمكينِ هذه الدولة أو تلك من بَسط نُفوذها على كامل أراضيها، وأخيراً اللجوءُ إلى الاحتلال العسكري المُباشر لتلكَ الدول، إن لزم الأمر.

المؤشرات

تَستند هذه المقالة في تَقييمها لِلحالة الفلسطينية، على بَعض المُؤشرات المُختلفة والتي تَتراوح من الاجتماعي إلى الاقتصادي إلى السياسي، وسنلاحظ أن كافة المؤشرات تَنطبق على الوضعية الراهنة للسلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر ينذر بالخطر الشديد على مستقبلها لا قدر الله، لجهة قدرتها على إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني والتحكم به من عدمه، وقدرتها على الحفاظ على استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية لديها، مستندين بذلك على تلك المؤشرات، ومنها:

أولاً- المؤشر الاجتماعي:-

1- كيفية تصدي الدولة للظروف الاستثنائية والطارئة، كتفشي الأمراض والأوبئة، ونَقص الغِذاء والميّاه الصالِحة للاستهلاك الآدمي، والتنافس على ملكيّة الأرض وما يرافق ذلكَ من مُشكِلات أمنيّة لِلدولة.

2- الميراثُ العِدائي الشَديد الّذي يَجعلُ الجَماعات المَظلومة تَنتظرُ الثأرَ جراء انْعِدام العَدالة، والاستثناء السيّاسي والمُؤسَسي، وسيطرة ألأقليّة على الأغلبيّة.

3- الفِرارُ الدائمُ والعَشوائي للناسِ وهجرة العُقول، وهجرة الطبَقات المُنتِجة من الدولة، والاغترابُ داخِل المُجتَمع.

4- تَصاعد الضُغوط الديمغرافيّة بِسبب زيادة عدد السكان، وسوء توزيعهم، وتزايد النِزاعات المُجتمعية الداخلية.

ثانياً- المؤشر الاقتصادي:-

1- غِيّاب التَنميّة الاقتصاديّة لَدى الجَماعات المُتبايّنة (مضارب البدو – نموذجاً)، وعَدم المُساواة في التعليمِ والوظائِف والدّخل، وتَزايد مُستوَيّات الفَقر والبطالة.

2- الانحطاطُ الاقتِصادي الحاد للدّخل القَومي، وسعر الصَرف، والميزان التجاري، ومُعدلات الاستثمار، وتقييم العُملة الوطنيّة، ومُعدل النّمو، والتوزيع والشفافيّة والفساد، والتزامات الدولة الماليّة.

ثالثاً- المؤشر السياسي:-

1- فُقدان شرعيّة الدولة، بسبب تعطيلها للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو البلدية، وشيوع مظاهر (إجرام الدولة) وفَساد النُخب الحاكِمة، وغيّاب الشَفافيّة والمُحاسَبة السياسيّة، وضَعف الثِقة في المؤسَسات العامّة، وفي العَمليّة السِياسيّة ما يُكثِر من مظاهرِ الاحْتِجاجات كمقاطعةِ الانتخابات وانْتِشار التَظاهُرات والعِصيّان المَدني، وشُيوع جَرائم تَرتبط بالنخب الحاكِمة.

2- التَدّهور الحاد في تقديمِ الخَدمات العامّـة ووظيفة الدولـة الجوهريّة، مِثل حمايّة النّاس والصِحة والتَعليم والعيش الكريم والتوظيف، تمركز الموارد بالدولةِ في مؤسسات الرِئاسة، وانهيار أو ضعف قوى الأمن وانحطاط العَمل الدبلوماسي.

3- الحِرمان من التَطبيق العادل لحكمِ القانون، وانْتِشار انتِهاكات حُقوق الإنسان والحُكم العَسكَري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السِيّاسي، والعُنف المَدني، وتَقييد الصَحافَة، وخَوف النّاس من السِيّاسة.

4- تَشتت الأمن، قد يَخلق دولة داخِل الدولة، وظهور نُخب عَسكريّة تعمل خارج نطاق القانون لكنها تتستر بالجَيش الوطني، وظهور النِزاعات المُسلحة، وظهور قوى أمنية وعصابية توازي قوى الأمن النّظامية.

5-تَدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيّين خارجيّين، كالتدخلِ المخابراتي أو العَسكَري أو شبه العَسكَري، أو حتى الدبلوماسي الذي يسهم في الضغط على الحكومة المحلية على نحو لا يخدم شعبها وجمهورها.

استنتاج

لعل المراقب لمسار الأحداث في فلسطين، وبدون استعراض للمظاهر الدالة على دخولها في صميم مرحلة الخطر، سيصاب بالذهول من قوة انطباق كافة المؤشرات تقريباً على الحالة الفلسطينية الراهنة.

لأن الانهيار الكلي للدولة قد يقع على نحو مفاجىء، بسبب التفاعل العنيف لخليط المؤشرات داخل المجتمع الفلسطيني المضطرب، نتيجة عدم تداول السلطة على نحو بناء، وتراجع أداء مؤسسات الدولة بشكل عام، الأمر الذي يتطلب من المستوى السياسي الفلسطيني، الشروع بمعالجة فورية وعاجلة؛ للبحثِ عن حلول بارِعة وقادرة على تفكيك العوامل المنتجة للمخاطر قبل فوات الآوان.

توصية المقالة

قد يسهم تغيير الحكومة الحالية، كتدبير استدراكي من قبل المستوى السياسي في وقف التدهور، واستكمال المهام الوطنية العليا على نحو معافى من علل وأمراض المرحلة السابقة، ما قد يوفر فرصة أكثر مرونة للحكومة الجديدة للعمل على أجندة البناء ومواصلة التعافي الصحي والاقتصادي والاجتماعي، وهو مسعى لا يمكن يتحقق إلا عبر التحدث مع الناس واستعادة ثقتهم وتلبية احتياجاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإيجاد حلول لمشكلاتهم كافة، عبر منظومة سياسات وطنية أكثر استجابة وفعالية، ضمن رؤية شاملة لتحسين أساليب الحكم والإدارة، تنطلق من أن كرامة الإنسان هي الركيزة الأساسية لبناء حكومة مثالية، واقتياد الخارجين عن القانون إلى منصة العدالة، وهذا يعني عدم تغليب الميل الفئوي والفصائلي الأناني على حساب المعايير الأساسية في إدارة الدول وتشكيل الحكومات، وهي: المنطق، والأمن، وحقوق الإنسان، والمساءلة، والشفافية، والعدل، وتكافؤ الفرص، والتجديد، والرعاية الاجتماعية والمساواة بين الجميع، وإلا لن تتحقق أي نهضة ولن يرضى الشعب أبداً.