سلفيت - خاص قُدس الإخبارية: "يوم واحد في حرية احتضن فيه أولادي وأشقائي"، هذه هي أمنية الأسير المريض منصور موقدي، الذي خرج من اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال مثكلاً بالجراح، ومنذ 21 سنة يحلم بالحرية من "عيادة سجن الرملة"، التي تحمل اسم العيادة لكنها في الحقيقة وسيلة أخرى لتعذيب الأسرى، كما يقولون.
في الثالث تموز/ يوليو 2002، حاصرت قوات كبيرة من جيش الاحتلال منصور موقدي في قرية سنيريا قرب قلقيلية مع مجموعة من رفاقه بينهم عماد شقير، بعد مطاردة استمرت لشهور، على خلفية مشاركتهم في عمليات للمقاومة خلال انتفاضة الأقصى.
خلال الاشتباك العنيف الذي خاضه منصور مع رفاقه ضد قوات الاحتلال، يروي شقيقه، أصابته رصاصة في ظهره من مروحية عسكرية كانت تحلق في المنطقة للتغطية على الجنود المنتشرين في الميدان، وبعد أن استدار أصابته برصاصة أخرى في البطن.
بطاقة هوية شقيقه الآخر هي ما أنقذ منصور، يقول شقيقه في لقاء مع "شبكة قدس"، ويوضح: كان منصور يحمل بطاقة هوية شقيقي معتصم، وعندما وصل الجنود إلى منصور وكان مثخناً بالجراح بعد أن رفض الاستسلام وأصر على الاشتباك حتى الشهادة، عثروا على البطاقة واعتقدوا أنه ليس منصور فسارعوا إلى إسعافه ونقله للمستشفى، وهناك مكث في العناية المكثفة لعدة شهور.
لعدة شهور عاشت عائلة منصور قلقاً كبيراً في ظل منعها من زيارته أو معرفة شيء عن وضعه الصحي، وكانت الأخبار تقول إن أحد المعتقلين من مكان الاشتباك معه في حالة صحية صعبة والآخر أصيب بجروح طفيفة، وبعد زيارة للصليب الأحمر علمت العائلة أن منصور يعاني من إصابات خطيرة، يقول شقيقه.
بعد خروجه من العناية المكثفة نقل الاحتلال منصور إلى "عيادة سجن الرملة"، وبقي محتجزاً هناك منذ 21 عاماً حتى لحظة كتابة التقرير، ورغم حاجته إلى عدة عمليات لمعالجة آثار الإصابات التي تعرض لها، إلا أن الاحتلال يرفض ذلك.
يعاني منصور من شلل في الأجزاء السفلية، وتهتك في الجهاز الهضمي في المعدة والأمعاء والمثانة، ومن أوجاع حادة، ويقضي حاجته بواسطة أكياس للبول والبراز، ويشتكي من مشاكل بالعينين والأسنان، ويتناول أكثر من 12 نوعاً من الأدوية والمسكنات.
بعد 5 سنوات من الاعتقال كانت الزيارة الأولى لشقيقه، وعن اللحظات الأولى بعد هذا الغياب الطويل يقول: عندما رأيته أصابتني صدمة كبيرة، وقلت له: أنت لست منصور، هل أنت ملاك؟ كل هذه المعاناة والأمراض التي تعاني منها، كيف ما زلت على قيد الحياة؟ فرد علي بطريقته الفكاهية المعهودة عليه: "أنت يا أخوي بتعرفش أبو رعد؟ أنا بسبع أرواح… الاحتلال ما كان يتوقع أن أعيش، وجودي وصمودي هو أكبر قهر لهم".
ويؤكد شقيقه على أن الصمود والشموخ الذي يتصف بهما منصور هو ما يبقيه قوياً حتى اليوم رغم كل الظروف القاسية التي يعانيها، ويضيف: منصور دائماً ما يقول إنه يريد أن يعيش حتى يتحرر لو يوماً واحداً كي يحتضن أبنائه وأشقائه.
قبل وفاتها بقيت والدة منصور لسنوات وهي لا تكف عن السؤال عنه، ويروي شقيقه: في إحدى الزيارات عادت الوالدة وهي في حالة نفسية وصحية صعبة، وكانت تردد في كل دقيقة: "بدي منصور، جيبولي منصور"، حتى توفيت دون أن تحقق حلمها البسيط بأن تراه حراً، بعد سنوات من وفاة والدي في حادث سير بعد أن حرمه الاحتلال من زيارة منصور، وبذلك أصبحت المعاناة مضاعفة عليه وهو يعاني من السجن والمرض والإصابات.
منصور أب لأربعة أبناء، كان أصغرهم عند اعتقاله يبلغ من العمر 5 شهور فقط، وكبر أبنائه بعيداً عن حنان الوالد الذي لم يعرفوه إلا من الصور والزيارات المقتطعة.
تشتكي العائلة من التقصير بحق الأسرى المرضى، ويقول شقيقه: نقول للجميع إن غابت الكاميرا عن الأسرى يجب أن لا يغيب القلم، ما الذي يمنع أن تبقى قضية الأسرى وخاصة المرضى منهم حاضرة بقوة في الإعلام والواقع الفلسطيني، شاهدت عشرات الأسرى في حالة مرضية صعبة جداً، العالم كله يقف على قدم واحدة إذا أصيب إسرائيلي واحد بجروح، بينما يحتجز مئات الأسرى في ظروف صعبة ويعانون الأمراض، هل أسرانا أرقام؟.