رام الله - خاص قدس الإخبارية: في كلِ مرة، تشتد الأزمة السياسية والاقتصادية بالسلطة الفلسطينية يخرج وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في إعلان الحصول على موافقات منح الهوية وجواز السفر الفلسطيني لعدد ممن لا يملكونها، فيما باتت يعرف فلسطينيًا باسم قضية "لمّ الشمل"، والتي تخرج في دفعات على فترات متباعدة.
في أغسطس\آب من العام الماضي أعلن الشيخ أنه "تم الاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية على تسوية أوضاع 10 آلاف مواطن فلسطيني، تشمل موافقات هويات جديدة وتغيير عنوان، وذلك بعد 12 عامًا من توقف العمل بملف جمع شمل العائلات والناتج عن الانغلاق السياسي الاسرائيلي، بعد تفاهمات بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي."
هذه الموافقات، تصورها السلطة الفلسطينية على أنها إنجاز سياسي حققته، وأنتجه لقاءات وزير الشؤون المدنية مع مسؤولين في حكومة الاحتلال سواء في تل أبيب المحتلة أو مقر المقاطعة بمدينة رام الله المحتلة، وتعزي جمودها إلى توقف رغبة الاحتلال في أي حل أو حوار يفضي إلى السلام مع الفلسطينيين.
في حقيقة الأمر، وفي العودة إلى اتفاقية طابا عام 1995، لم يكن دور الإدارة المدنية الفلسطينية في إدارة سجل السكان، وإصدار الهويات، وتحديث بياناتهم من القضايا المؤجلة إلى حين الاتفاق على قضايا الحل النهائي التي ستنتجها المفاوضات، وبالتالي لم تكن سجلات السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة على طاولة المفاوضات من أصله، كي يُقال توقفت بسبب الجمود "السياسي الإسرائيلي".
اتفاقية طابا، والموثقة رسميًا باسم " الاتفاقية الفلسطينية الإسرائيلية المرحلية في واشنطن، 28/9/1995"، تستهلُ في مادتها الأولى القول إن الاحتلال سينقل صلاحيته ومسؤولياته التي تحددها هذه الاتفاقية من "الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية" إلى المجلس – أي مجلس السلطة -، وسوف يستمر الاحتلال في ممارسة الصلاحيات والمسؤوليات التي لم يتم نقلها.
انطلاقًا من هذه الافتتاحية، حددت اتفاقية طابا في المادة التاسعة منها صلاحيات ومسؤوليات المجلس من ضمنها: "صلاحية حفظ وإدارة سجلات وقيود السكان، وإصدار الشهادات، والرخص والوثائق"، أي بمعنى آخر يصبح بإمكان السلطة الفلسطينية إصدار الشهادات والوثائق وإدارة سجلات السكان دون تدخل من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية، وفق ما أكدته المادة الأولى من الاتفاق.
وقد أشارت اتفاقية طابا إلى الملحق الذي عرفته بالملحق رقم 3، والذي يمثل برتوكول العلاقات المدنية لتفصيل الصلاحيات وآلية نقلها، وعلى الرغم من أن هذا البرتوكول والبرتوكول الخاص بترتيبات الأمن وإعادة الانتشار الملحقين باتفاقية طابا غير منشورين باللغة العربية في المواقع الرسمية للسلطة، إلا أننا استطعنا في "شبكة قدس" الوصول إلى النسخة الإنجليزية والعبرية منهما والمنشورين على مواقعِ حكومة الاحتلال.
في ملحق رقم (3)، برتوكول العلاقات المدنية، ينص البند (2) من المادة 28 المتعلقة بسجلِ السكان والتوثيق، على أن الجانب الفلسطيني "يحتفظ بسجل سكاني ويديره ويصدر الشهادات والوثائق بجميع أنواعها، بما يتوافق مع أحكام هذه الاتفاقية وتخضع لها، ولهذا الغرض، يتلقى الجانب الفلسطيني من إسرائيل سجل السكان لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى الملفات والسجلات المتعلقة بهم."
في العودة إلى تصريحات السلطة الفلسطينية، والتي تؤكد أن إصدار الهويات والوثائق المتعلقة بسجل السكان يحتاج موافقة الاحتلال، ينص البند (4) من المادة 28 من ملحق العلاقات المدنية، على أنه: "يجوز للجانب الفلسطيني إصدار أرقام هوية جديدة بعد عام من توقيع هذه الاتفاقية، وسيتم نقل أرقام التعريف الجديدة ونظام الترقيم إلى الجانب الإسرائيلي، وستكون جميع العناوين والقيم في بطاقات الهوية هذه باللغتين العربية والعبرية، وسيكون عدد بطاقات الهوية هذه بالأرقام العربية (أي 0-9)."
في انسجامٍ مع هذا البند، جاء البند (7) من ذات المادة ليقول إن " إسرائيل تقرّ بصلاحية جوازات السفر / وثائق السفر الفلسطينية الصادرة عن الجانب الفلسطيني للمقيمين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقًا لاتفاقية غزة - أريحا واتفاقية طابا، وتمنح جوازات السفر / وثائق السفر هذه حامليها الحق في الخروج إلى الخارج عبر الممرات أو عبر نقاط الخروج الإسرائيلية."
وليأتي لاحقًا البند الأهم، الذي ينقضُ كل ادعاءات أن جمع الشمل منوطٌ بموافقة الاحتلال، حيث ينص البند (10) من المادة 28 في الملحق على أن الجانب الفلسطيني يلتزم بتزويد "إسرائيل" من خلال إدارة الشؤون المدنية، بالمعلومات المتعلقة بجوازات السفر والهويات التي أصدرتها، وأي تغيير في سجل السكان، بما في ذلك أي تغيير في مكان الإقامة، وذلك لكي تتمكن "إسرائيل" من الاحتفاظ بسجل محدّث لسجل السكان الفلسطيني، وتتمكن من إدارة عبور الفلسطينيين عبر المعابر.
أي بمعنى آخر، حددت اتفاقية طابا وبرتوكول العلاقات المدنية الملحق بها أن الإدارة المدنية في السلطة الفلسطينية قادرة على إصدار الوثائق الرسمية المتعلقة بالسكان، دون الحاجة إلى موافقة الاحتلال الإسرائيلي فيها، وإنما الاكتفاء بإبلاغ الاحتلال عن أي تغيير حاصل، وذلك لما سيترتب عليه من مسائل متعلقة بتنظيم السفر عبر الحدود التي يسيطر عليها الاحتلال.
أوامر عسكرية تجاوزت "طابا"
في الوقت الذي تتمسك فيه السلطة الفلسطينية باتفاقية أوسلو وطابا، وتبحث عن أي فسحة أملٍ لإكمال المفاوضات، كانت "إسرائيل" في الواقع، تتجاوز حدود ما اتفقت عليه مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، فبدون سابق إنذار، جمدت حكومة الاحتلال بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، معظم التغييرات في السجل السكاني الفلسطيني دون إخطار مسبق للسلطة الفلسطينية، بكلمات أخرى، فعل الاحتلال عكس ما أقره في الاتفاقية مع الفلسطينيين، فبدلًا من أن تقوم السلطة بالتغييرات في السجل واطلاع الاحتلال عليها، قام الاحتلال بدوره بالتحكم بالسجل ودون مشاركة ذلك مع السلطة.
وعام 2010، أصدر الاحتلال أمرًا عسكريًا منحته رقم 1650 بشأن منع التسلل، وعرفت فيه التسلل: "كل الأشخاص الذي يدخلون المنطقة بشكل بغير قانوني، والموجودين فيها دون أن يكون بحوزتهم تصريح قانوني"، وتبعها تعريفها للتصريح القانوني بأنه أي وثيقة أو تصريح صادر عن قائد قوات جيش الاحتلال أو عن السلطات في حكومة الاحتلال.
بهذا الأمر العسكري، الذي أصدره الاحتلال، تم استثناء بطاقات الهوية الفلسطينية من نطاق الوثائق التي يمكن اعتبارها تصاريح بموجب الأمر العسكري، على خلاف ما أقرته في اتفاقية طابا في البنود (4,7,10) من المادة (28) في ملحق برتوكول العلاقات المدنية.