نابلس - خاص قُدس الإخبارية: يبدو أن أزمة جامعة النجاح الأخيرة في طريقها للحل نسبيا، بعد اللقاء الذي جمع مجلس أمناء الجامعة والكتل الطلابية، حيث أوقف الأخيرة خطواتها الاحتجاجية التي جاءت على إثر فصل 10 طلاب من الجامعة على خلفية قمع الأمن الجامعي لوقفات نظمت في حرمها للمطالبة بحياة جامعية آمنة.
وتضمن الاتفاق بين الطرفين استئناف الدوام وجاهيًا في الجامعة الأحد، على أن ينظر المجلس "باهتمام شديد لمطالب الكتل الطلابية، وتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق من قبل مجلس الأمناء بعد الأحداث الأخيرة."
يأتي الاتفاق، بعد أزمة شهدتها جامعة النجاح، خلال أسبوع واحد، تمثل بداية باعتداء الأجهزة الأمنية والأمن الجامعي على طلبة الكتلة الإسلامية خلال اعتصامهم داخل الجامعة رفضًا للاعتداء على منسقها الطالب عمير شلهوب، وذلك يوم الأربعاء 8 يونيو\حزيران 2022، تبعها بأيام خروج لجنة التحقيق في الاعتداء بقرار فصلٍ لخمسة عشر شخصًا، 5 طلابٍ من الكتلة الإسلامية، 5 طلابٍ من الشبيبة الفتحاوية، 5 موظفين في الجامعة، ما أثار استياءً لدى الطلبة حول شفافية لجنة التحقيق التي قضت بفصل طلبة "تعرضوا للاعتداء أو لم يكونوا موجودين خلال الأزمة"، وتشكل بموجبه الحراك الطلابي الذي ضم طلابًا مستقلين ومن كتل طلابية مختلفة.
يوم الثلاثاء 14 يونيو\حزيران، وخلال وقفة للحراك الطلابي للمطالبة بحياة جامعية آمنة، وإعادة النظر في فصل بعض الطلبة، حدث الاعتداء الثاني، الأمن الجامعي يعتدي على الطلبة في ساحة الجامعة بالضرب وبرش غاز الفلفل، ما أجج الأزمة مرة أخرى، واضطرت الجامعة لتحويل يومي الأربعاء والخميس اللاحقين للتعليم الإلكتروني، مع تحميلها "الكتلة الإسلامية" السبب في تأجيج الأزمة، فيما أثار استياء الطلبة مرة أخرى.
بطبيعة الحال، أثارت الأزمة في جامعة النجاح رأي الشارع الفلسطيني، فتسارعت إدانات من المؤسسات الحقوقية والفصائل المختلفة حول ضرورة الوقوف الجاد على "تغوّل الأمن الجامعي، والممارسات القمعية التي تشهدها الجامعة، وتداول الصلاحيات بين أمن الجامعة والأجهزة الأمنية"، محملين إدارة الجامعة المسؤولية عمّا حدث.
أقليم مجمّد.. لكنه يصدر بيانات
أزمة النجاح هي شأن داخلي يخصها، كان هذا رأي محافظ نابلس إبراهيم رمضان في مقابلة مع شبكة قدس، معتبرا أن عدم تدخل الأجهزة الأمنية جاء في سياق محاصرة تداعيات الأزمة وحلها داخل الجامعة فقط. لكن هذا الرأي أو التوجه لم ينسجم مع ممارسات أخرى تمثلت بخروج عدد من المسلحين في بلدة كفر قليل ليوجهوا تهديدات مباشرة للطلبة والحراك الطلابي تحت شعار عدم المس بأمن الجامعة وشعارات سياسية أكبر من الأزمة ذاتها.
خروج المسلحين أثار حفيظة شريحة واسعة من الشارع الفلسطيني، فرأى بعض المراقبين أن ذلك استباقا للجان التحقيق ومحاولة التأثير عليها حتى لا تتخذ قرارات بحق أمن الجامعة، خاصة وأن مسؤول الأمن ينحدر من بلدة كفر قليل التي خرج فيها المسلحون. كما وتربطه علاقة قرابة مباشرة مع أمين سر إقليم فتح في نابلس محمد حمدان، الذي أصدر بيانا مفاجئا باسم الإقليم أمهل فيه فعاليات نابلس ساعات لوقف ما أسماها الاستفزازات في النجاح. اللافت أن البيان جاء في ظل تجميد عمل الأقاليم على إثر انتخابات بيرزيت والأزمة التي تبعتها داخل أروقة فتح.
لكنه ليس الظهور الأول لمسلحين في كفر قليل يوجهون تهديدات لخطوات نقابية أو طلابية، فقد تكرر الأمر ذاته في 2016 في ظل حكومة الحمدالله، عضو مجلس أمناء الجامعة حاليا، عندما خرج مسلحون وقاموا بتلاوة بيان تضمن تهديدات مباشرة للمعلمين في حال استمروا في خطواتهم الاحتجاجية، حينها كان المعلمون الفلسطينيون يخوضون إضرابا نقابيا للمطالبة في حقوقهم، لكن بيان المسلحين اعتبر الأمر مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، وهي العبارات ذاتها التي استخدمت في البيان الخاص بأزمة النجاح.
ماذا يقول المراقبون؟
في قراءة لأسباب أزمة جامعة النجاح، يرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن الأمر يعود إلى عوامل بنيوية متمثلة في طبيعة النخب والإدارة المؤثرة في الجامعة، وهو ما يتضح من نهايات انتفاضة الأقصى عام 2003، ثم بدأ يتبلور أكثر منذ عام 2007 والانقسام الفلسطيني وحتى هذه اللحظة.
ويقول عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس": "بشكلٍ غريب غير مألوفٍ لأي صرحٍ أكاديمي، هناك مجموعة من المصالح لإعادة صياغة جامعة النجاح، لتصبح الجامعة المغلقة المحكومة بقبضة أمنية، وهذه المصالح تجمع ما بين إدارة الجامعة وبعض الشركاء ومالكي الجامعة وبعض الشرائح المحلية في مدينة نابلس ومحيطها والسلطة الفلسطينية وحركة فتح."
ويرجع عرابي الوضع الحالي إلى وجود جهاتٍ مختلفة تريد إنهاء الحالة النقابية والطلابية، والقضاء على الحالة الوطنية في الجامعة كونها كانت في طليعة العمل الوطني خلال انتفاضة الأقصى، موضحًا: "هناك السلطة التي تريد فرض سيطرتها على الضفة وبالتالي هي تريد تدجين الحركة الطلابية والهيمنة على الجامعات، وهناك احتلال يريد أن ينهي الجامعات، وهناك إدارة جامعات تريد إنهاء الأجسام الطلابية لاعتبارات إدارية أو مالية وجامعية، وبالتالي قد تكون كل هذه العوامل أفضت لما حصل في الجامعة."
انعكاس حالة الانقسام
وعلى نحوٍ لافتٍ للنظر، يخرج مسلحون في مناطق مختلفة من محافظة نابلس، في مقاطع مصورة، موجهين تهديداتٍ علنية لكل من "يمسّ بجهاز أمن الجامعة، وأنه خطّ أحمر لا يمكن تجاوزه"، محملين حركة حماس عمّا أسموه "إثارة الفتنة".
حول ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية بلال الشوبكي إن مشكلة جامعة النجاح هي انعكاس للأزمة الداخلية في فلسطين، وهي صورة من صور الانقسام الموجودة منذ سنوات طويلة، التي من الممكن أن تتكرر في أكثر من مكان سواء أكاديمية أو غيرها.
ويضيف الشوبكي في حديثه لـ "شبكة قدس": "لا يمكن أن نعتبر ما حدث في جامعة النجاح حالة استثنائية، بل تم التركيز عليها بطبيعة الحدث الآنية، لكنها حالة العنف موجودة في الشارع الفلسطيني، وهناك ممارسات كثيرة مثل العنف الرسمي أو العنف العشائري وها نحن نرى العنف الأكاديمي."
ويشير الشوبكي إلى أن عدم تجديد الشرعيات يؤدي إلى تعزيز العنف وتغذيته في الشارع الفلسطيني، وكان هناك نوع من الشحن العاطفي خلال الأيام الماضية باتجاه إعادة نفس مفردات أيام الانقسام، سواء الاتهامات للسلطات في غزة أو الاتهام للسلطة في الضفة الغربية، منوهًا إلى أن هناك محاولة باستثمار الغليان الفلسطيني ضد المشروع الاستعماري وتحويل أنظاره إلى الصراع الداخلي.