شبكة قدس الإخبارية

سيف القدس... الأمل المنبعث

282186849_2893878977573234_3474596321468320768_n
ياسين صبيح

لعلنا لم نعش أمل التحرير منذ النكبة كما حدث في معركة سيف القدس. لا نقصد هنا أن التحرير قاب قوسين أو أدنى لكن تجاوزنا المستحيل لتحقيق الصعب حين اكتشفنا لا ضعف عدونا بل قوتنا الكامنة والموزعة في المناطق التي رسخها الاحتلال عبر عشرات السنين كحلقات ضعف تزيد من كسرنا ووهننا، هذه الحلقات اتحدت في حلقة واحدة وربطت مصيرها ببعضها سيصعب على الكماشة الإسرائيلية قطعها من جديد، بل وستثلمها رويدًا رويدًا حتى خرابها، وعودة فلسطين.

إن أهم ما يعتمد عليه الاحتلال في استمرار هيمنته هي فرض قوته بكل الوسائل العنيفة والملتوية ليزيد من ضعفنا ومراقبتنا والتحكم بنا، يضرب في كل مكان بأدواته وإمكانياته التي لا نستهين بها، وصل بنا الأمر قبل معركة سيف القدس إلى خوض نضالاتنا مجزأة منفردة مشتتة وكردة فعل على ما يمارس بحقنا، وإن كانت هذه الحراكات والنضالات قد أرقته وأفشلت من مخططاته حينًا أو نجحت أحيانًا أخرى. فالجريمة المنظمة في الأراضي المحتلة عام 1948، والتنسيق الأمني والرقابة في الضفة الغربية، والحصار العنيف على قطاع غزة، تقسيمات ثلاث يستطيع الاحتلال أن يتعامل معها على حدى وأن يمتص المواجهة تلو الأخرى ولو على حساب بيته الداخلي المتأزم. هذه السياسات الاسرائيلية المستمرة منذ عشرات السنين والتحوّلات في أشكال الهيمنة والسيطرة وضرب الهوية الفلسطينية الحالمة تلقت ضربات موجعة منذ عام 2014 وصولًا إلى عام 2021 ومعركة سيف القدس التي عرف فيها الفلسطيني والعربي وكل حر قوة الروح في القتال، عبر الصواريخ من غزة التي تهتف بإسم القدس، إلى المفرقعات النارية والحجارة والرباط في القدس، إلى المولوتوف المضروب في أزقة مخيمات الضفة وقراها وتحدّي سلطة التنسيق الأمني، إلى الرشاشات التي صدحت في حواري اللد وديار السبع ويافا. معركة اكتشفنا فيها قوتنا وحجمنا وعزم المقاومة وجمهورها المدافع عن الحق. ورغم علمنا بقوة الرقابة والغطرسة الإسرائيلية في فلسطين لكن هذه الغطرسة ستكون داء ينخر المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية والتي ستفككها في المستقبل القادم، بداية نهاية المشروع الصهيوني.

منذ تلك المعركة اشتعلت منارة الأمل في نفوس الفلسطينيين في نيل الحرية والتحرير، وأصبح ممارسة يومية في ظل ازدياد الغطرسة والتخبط الإسرائيلي في التعامل مع أزمته الداخلية وبين أزمته الوجودية رغم القوة والتطبيع والتحالفات الإقليمية. ازدادت قوة المقاومة في القطاع، وفي الضفة تزداد المواجهة ونقاطها ونبذ التنسيق الأمني ومن يمثله، فحالة مخيم جنين الذي سيتحمل حتى الرمق الأخير، وسيكون الشرارة التي ستجعل الضفة تزيد من اشتباكها ومواجهتها رغم الثمن المدفوع سواء في مواجهة الاحتلال أو ممثليه. أما في القدس المحتلة ورغم غياب التنظيمات السياسية الوطنية والحراكات وضربها عبر ملاحقتها إلا أن كوادرها ومناصريها في الميدان يواجهون تلك السياسات رغم  القمع والاعتقالات والإبعاد وهدم للبيوت. وهم لا يواجهون الاحتلال أيضا لوحده بل وعناصر قوة أخرى هدفها ضبط الأوضاع وتثبيت السياسة الإسرائيلية، فقد رأينا ما حدث منها في فترة الاقتحامات في رمضان عام 2022، التنسيق الأمني الذي جمع الأردن عبر الأوقاف الإسلامية والاحتلال عبر أجهزته الأمنية ومؤسساته الرقابية والسلطة عبر عناصرها غير الرسميين في القدس. رغم ذلك استطاع المرابطون والشبان من القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948 بالتصدي للقوى الثلات، حكومة الاحتلال والأوقاف والسلطة، مستمدين من معركة سيف القدس الوقود القادم للمعركة القادمة لا محالة والتي ستكون أشد، فاستيعاب ما حدث عام 2021 سيؤدي بالضرورة للتحضير الأشد للمعارك الآتية. فبعد معركة القدس ليس كما قبلها، هذا ليس شعارًا بل هي مشيئة المقاومة والنضال المستمر في وجه الانحدارات السابقة.

مسيرة الأعلام الإسرائيلية

من أهم المفارقات في تحوّل الموقف الفلسطيني من حالة تلقي الضربات إلى تسديدها، قضية مسيرة الأعلام، فمنذ مظاهرة التصدّي الأولى للحراك الفلسطيني في القدس عام 2012 والسنوات التي تلتها وصولًا إلى إلغائها عبر صفارات الانذار بفعل صواريخ المقاومة معلنة بدء معركة سيف القدس، ووصولا إلى عام 2022 وتصدّي الفلسطينيين إلى الاقتحام وعربدة المستوطنين إلى المسجد الأقصى صباحًا والبلدة القديمة عصرًا وأحياء القدس مساءً، هذا فقدان السيطرة على السيادة في القدس وملاحقة العلم الفلسطيني أصبح يتكرر مؤخرًا بوتيرة متصاعدة، ليس انتهاءً بمسيرة الأعلام الصهيونية وليس بدءا بجنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة وتحدي الشبان لقرارات الاحتلال والمهادنين من أعضاء الكنيست الفلسطينيين وممثلي السلطة في القدس في ساحة المستشفى وتشييعها على الأكتاف، لتتكرر الغطرسة الصهيونية مرة أخرى عبر قمعها ثم الجنازة المهيبة التي حررت يومها منطقة باب الخليل، ثم ليتكرر المشهد في جنازة الشهيد وليد الشريف مرابط الأقصى والمواجهات العنيفة في المقبرة وشوارع القدس، ثم مسيرة الأعلام وعربدة المستوطنين ومواجهة الفلسطينيين لها. هذا الخوف من فقدان السيادة التي وصفها الأسير محمود العارضة أحد منفذي الاختراق العظيم "نفق الحرية"، قالها بملء الفم، هذا الوحش وهم من غبار، فما كل هذه الغطرسة وملاحقة الشبان والعلم الفلسطيني لرمزيته، ونشر الأعلام الصهيونية في كل مكان إلا الخوف المتزايد من فقدان السيادة والسيطرة وتحطّم صورة الوحش الصهيوني الذي يتألم أيضًا ويستشعر بالخطر الوجودي القادم.

إن ما نلاحظه في هذه المسيرة من فرض للسيادة الإسرائيلية ما هو إلا تعبير عن أزمتها المتزايدة، والتي ستتكشف قريبًا عبر استمرار غطرستها وقمعها الذي سيكون في المواجهة القادمة في أشده، وكذلك مقاومتنا لها وقدرتنا على إعادة تنظيم أنفسنا وإيجاع العدو في مقتل، فلا عودة الآن عن نتائج ما حدث في معركة سيف القدس، ولم تكن دعوات فصائل المقاومة للاشتباك مجرد شعار أو دعوة بل هي الصورة القادمة المتكررة والتي ستكون بشكل مكثف وعلى شكل استنزاف حتى تتغير المعادلة بطريقة أو بأخرى، خاصة في ظل صمود التحالف الإقليمي للمقاومة، وما انتقاد المقاومة سوى ضلال الطريق وسواء السبيل.

##مسيرة_الاعلام_والاشتباك_المستمر