شبكة قدس الإخبارية

اعتقال ومحاكمة حامل التابوت

AA-20220513-27848422-27848407-SBT_KHLL_MHJM_LSHRT_LSRYYLY_MWKB_TSHYY_BW_QL_1
راسم عبيدات

لا يحدث إلا في دولة الاحتلال أن يعتقل ويحاكم حامل نعش الشهيدة شيرين أبو عاقلة، الذي رغم كل السياط والهروات التي نزلت وسقطت على رأسه وجسده، ورغم أيضاً كل الألم والوجع الذي شعر به، بقي متشبثاً في النعش والتابوت لكي لا تسقط شيرين من مجدها، وهذا لا يروق للمحتل ولا لأجهزة أمنه ومخابراته، فهذا يعني خلق ورسم معادلات جديدة في المواجهة مع المحتل.. معادلة جديدة في الصمود والدفاع عن الحق والوطن.

اعتقل الشاب عمرو أبو خضير وهو ينتمي لعائلة مقدسية عريقة من بلدة شعفاط، دفع العشرات من أبنائها ثمن صمودهم ومقاومتهم للاحتلال سنوات من أعمارهم في سجون الاحتلال، ولذلك كان منهم شهيد الفجر الطفل محمد أبو خضير الذي اختطفه المستوطنين المشبعين بالحقد والكراهية في تموز/2014 ليعذبوه وليحرقوه حياً، ومنهم المناضل ناصر أبو خضير الذي رغم أنه أمضى ما يزيد على 15 عاماً في سجون الاحتلال ويعاني من ظروف صحية صعبة، ما زال يخضع لسلسلة من الإجراءات العقابية بالإقامة الجبرية وعدم التواصل مع الآخرين الخ، وما زال ابنه عنان معتقلاً لمقاومته الاحتلال، ولم يسلم من اعتقالات الاحتلال لا زوجته المناضلة عبير “أم عنان” ولا بناته ولا أبنائه.

عمرو أبو خضير اعتقل وسيحاكمونه لحملة النعش، لأنه من أسرة وعائلة مناضلة، وتحت بند “ملف سري”؛ ليبرروا فيه كذبتهم وفعلتهم وجريمة الاعتقال بأن عملية الاعتقال ليس لحمله نعش الشهيدة شيرين أبو عاقلة، بل هذا الشاب ينتمي لمنظمة فلسطينية “إرهابية”،قدم لها خدمات، خدمات حمل التابوت، والتهمة لا تستند إلى أي مبرر أو مسوغ سوى أنها تعتمد على إرث وتراث العائلة في مقارعة الاحتلال.. أين القائلين بحقوق الإنسان ودعاة ما يسمونه بالحرية والديمقراطية والعدل وغيرها من القيم والمبادئ التي داسوها و”عهروها” فيما يجري في أوكرانيا؟ حيث هبوا بعد أسبوع واحد من شن روسيا لحربها الإضطرارية على أوكرانيا للدفاع عن أمنها القومي، في حرب ورطتها فيها أمريكا ودول أوروبا الغربية من أجل مصالحهم وأهدافهم ولمحاصرة روسيا و”تقزيم” دورها، لكي يدينوا روسيا ويصفوا حربها بأنها انتهاك صارخ لسيادة اوكرانيا، وبإرتكابها لجرائم حرب والخروج عن الشرعية الدولية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، و74 من معاناة الشعب الفلسطيني وما تعرض ويتعرض له من قمعٍ وتنكيلٍ وطردٍ وتهجيٍر واقتلاعٍ وتطهيرٍ عرقي وجرائم على يد دولة الاحتلال بعد إحتلال كامل لأرضه وتهجير أكثر من نصف شعبه، لم تدفع بأمريكا ودول اوروبا الغربية المتشدقة بهذه المبادىء والقيم لكي تتخذ عقوبة واحدة بحق دولة الإحتلال، تلزمها بإنهاء الاحتلال لأراضي شعبنا ووقف كل الإجراءات والممارسات القمعية والتنكيلية بحقه، والتي تنتهك بشكلٍ سافر ووقح كل مبادىء وقيم القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، هي معايير مزدوجة وانتقائية في التطبيق، بما يخدم مصالح تلك الدول، وحتى الشهيدة شيرين التي تحمل الجنسية الأمريكية، والتي جرى اغتيالها على يد دولة الاحتلال بقرار اتخذ في قمة هرم دولة الإحتلال، لن تتعدى مواقف أمريكا ودول اوروبا الغربية سوى عبارة الإدانة والإستنكار والشعور بالقلق والصدمة، ولكنها لن تدعم تحويل ملف الشهيدة أبو عاقلة إلى محكمة الجنايات الدولية، ومحاكمة من ارتكبوا تلك الجريمة من قادة وجنود الاحتلال، فأمريكا قالت بشكل واضح وبشكل رسمي بأنها لا ترى بأن محكمة الجنايات الدولية هي الإطار المناسب لمعالجة قضية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وأمريكا ودولة الاحتلال ومعهم أوروبا الغربية سيمارسون كل الضغوط على السلطة الفلسطينية لمقايضة هذا الملف وعدم تحويله للجنائية الدولية، بدعم مالي واقتصادي للسلطة الفلسطينية، ولعلنا نتذكر تقرير “غولدستون” الذي اتهم جيش ودولة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب أثناء محاصرتهم واقتحامهم لمخيم جنين في عام 2002 والذي لم يجر متابعته وملاحقته من قبل السلطة.

عمرو أبو خضير الذي جرى اعتقاله وتحويله لزنازين وتحقيق “الشاباك” الإسرائيلي، كما صدر عن محاميه خلدون نجم ستجري محاكمته تحت بند سري، والبند السري هو تاريخ وإرث عائلته، ولربما عدم القدرة على إدانته ستدفع بهم لتحويله للاعتقال الإداري، أو أنهم سيقولون أنه شارك بحمل التابوت والجنازة للشهيدة شيرين أبو عاقلة بقرار وخدمة لمنظمة “إرهابية” لم نعرف حتى اللحظة من تكون تلك المنظمة.

لا تستغربوا من هذه الدولة وأجهزة مخابراتها التي تعتمد في اعتقالاتها ومحاكماتها لأبناء شعبنا على بند الملفات السرية، والتي تتيح لأجهزة مخابرات الاحتلال اعتقال الكثير من أبناء شعبنا إدارياً وبدون محاكمات وتهم معروفة، ومدة محددة للاعتقال، أو إتاحة الفرصة للمتهم والمحامي للاطلاع على ما يسمونه بالملف السري.. ولذلك اتخذ أكثر من 500 معتقل إداري فلسطيني موقفا جماعيا يتمثل بإعلان المقاطعة الشاملة والنهائية لكل إجراءات القضاء المتعلقة بالاعتقال الإداري (مراجعة قضائية، استئناف، عليا).

دولة تعتقل رجل بعمر المحامي بشير الخيري يعاني من عدة أمراض، وعمره فوق الثمانين عاماً إدارياً، اتخذ قراره بمقاطعة محاكم الاحتلال احتجاجاً على استمرار اعتقاله إدارياً، رافضاً أي مساومة تنهي اعتقاله الإداري بالاعتراف بالتهم الملفقة له، لا نعتقد أنها ستعجز عن تلفيق تهمة للشاب عمرو ابو خضير حامي التابوت وحامل النعش، هي قوانين ” قراقوشية” تمتهنها دولة ظالمة، تجد الدعم والحماية والبقاء فوق القانون الدولي والشرعية الدولية من دول الغرب الأوروبي الاستعماري وأمريكا ،وعمرو أبو خضير هو من يجب ان يحاكم الاحتلال على جريمة القيام بضربه الوحشي من قبل جنود الاحتلال والتنكيل به لحملة التابوت، وليس أن يحاكم بتهمة حمله للتابوت في مفارقة عجيبة غريبة لا تحدث سوى في دولة الاحتلال.