الساحة الفلسطينية والكونية تشهد العديد من التغيرات على مستويات مختلفة وكلها تشير إلى تحولات ستجتاح العالم لتعيد ترسيمه لفترة قادمة على غير ما هو سائد راهناً، ومع أهمية ملاحظة الترابطات ما بين العام والخاص ، العالمي والمحلي وضرورة أخذه بعين الاعتبار عند محاولة بناء القراءات لمآلات الامور.
العامل الذاتي يبقى المقرر في إحداث التغيرات، وما يحدث في الأراضي المحتلة من تغيرات في الفترة الاخيرة من جنين الى القدس وما بينهما الى اللد والنقب وكل الاراضي المحتلة يوصلنا الى ملاحظة التحولات الجوهرية التي تفرض حضورها في ساحة المواجهة فكان تشيع شرين ابو عاقلة ومن بعدها الشريف وقبل ذلك مواجهات جنين ومحيطها كل تلك الاحداث بدأت تؤسس لمرحلة قادمة فيها ما يميزها في الأداء الشعبي الفلسطيني وكذلك الاحتلالي.
الاحتلال زاد من صلفه وانحطاطه وعنفه الغير اخلاقي، فأن تهاجم نعوش الأموات تعبير مطلق وفج عن انحطاط قيمي يؤشر الى انحدار سيكون له انعكاسه على المنظومة الاحتلالية ليس فقط في تعاملها مع الشعب المحتل فقط بل سيكون ارتدادات داخلية ستفتك أكثر بمكونات الجبهة الداخلية لديهم وما ارتفاع نسبة الجريمة المنظمة، والفساد السياسي الذي ترتفع وتيرته ، والتهرب من الخدمة العسكرية إلا ترجمات لتلك التحولات، والى ذلك يضاف ارتفاع منسوب المتعاطفين مع قضيتنا عالمياً والرافضين لمبدأ الاحتلال ووجوده .
فلسطينياً من حيث الأداء الشعبي بات واضحاً مقدار التحولات الداخلية التي تظهر في كل مواجهة، فسعة الحضور الشعبي، وارتفاع الاستعداد للمواجهة، والإقدام والشجاعة المنقطعة النظير ، والثقة في الذات، والثبات في الموقف وفوق كل ذلك انتفاء عامل الخوف من سطوة وقوة الاحتلال كلها سمات باتت حاضرة في جيل المواجهة الراهن، فاطفال لم يتجاوزوا العقد الثاني من العمر لديهم الاستعداد أن يكونوا على مسافة صفر من جندي مدجج بكل انواع الاسلحة، وشباب تتحمل سيل الهروات والغاز المنهمر عليهم ويبقوا متمسكين بنعش الشهداء، ويفرضون معادلتهم بأن الميدان في القدس وجنين وكل الامكنة لاصحاب الارض، انه التحول الفارق الذي لم نكن نراه على هذا المستوى من الانتشار والنوعية.
إن الانتصارات والهزائم لم تكن يوماً مرتبطة بحجم الإمكانيات المتاحة لهذا الشعب أو ذاك، ففيتنام والامريكيين والجزائر والفرنسيين وكل النماذج الكونية التحررية كانت وما زالت تؤكد على أن الإرادة والثبات والثقة بالنصر والأمل واليقين الراسخ هي العوامل المقررة في وضع النهايات لكل المواجهات.
ما لم يدركه الاحتلال ان الافراط بالقوة ليس بالضرورة أن ينعكس في حالة من الرهبة من قبل الشعب المُحتَل بل قد يكون المقدمة لانهيار جدار الخوف القائم وهنا تتحول كل القوة المادية التي يستند عليها الى غبار تذروه ريح الرغبة في الانعتاق من ظلمهم وجبروتهم وتكون البداية لتدمير عنجهيتهم وبداية لرسم معالم مرحلة جديدة تؤسس لما بعدها.
اليوم في حواري القدس وبواباتها، وفي ازقة جنين وعلى امتداد البلاد فتية قرروا ان ساعة النصر اقتربت، وأن الحرية باتت أقرب من أي وقت، وثباتهم وإصرارهم باتت الامكانية التاريخية أقرب لأن تتحول لإمكانية واقعية، فشجاعة قلوبهم وثبات سواعدهم، يظهر الرايات خفاقة على أسوار القدس وفي كل الميادين ومن خلف ابتساماتهم برغم الالم يعزف نشيد النصر المؤزر الذي يعيد للبلاد اهلها ويمسح للابد ما تبقى من آثار لبساطير الغزاة.
على فلسطين مر العديد من الغزاة عبر التاريخ، جميعهم عبروا وبقي الشعب في بلاده ليكنس من يأتي من الغزاة، واليوم من الواضح أننا بتنا اقرب لليوم الذي سنكنس آخر الغزاة الذين يحتلون بلادنا، ومؤكداً سيكونون آخر الغزاة العابرين، وستبقى البلاد لأهلها ليبنوا ما يشاؤون من الأحلام ويجعلون الأمل واقعاً، إنها الحرية التي لن تأسرها كل البنادق، أنها حرية فلسطين.