فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: أثار مقتل الضابط في وحدة اليمام "نوعم راز" جملة من التساؤلات عبّر عنها مراسلون وخبراء عسكريون إسرائيليون من خلال صفحاتهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة للمستوطنين العاديين الذين اعتبر بعضهم أن العملية في جنين كان لها هدف سياسي يتمثل في حرف الأنظار عن اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، حتى لو كان ذلك على حساب القوات التي نفذت الاقتحام.
المراسل العسكري في موقع "والا" أمير بحبوط، اعتبر أن على المؤسسة الأمنية للاحتلال أن تجيب عن السبب الذي دفعها لإبقاء القوات في جنين لعدة ساعات في مرمى آلاف الطلقات، وكانت النتيجة مقتل ضابط مخضرم في وحدة اليمام خدم 23 عاما كقناص في الوحدة التي يُنظر لها الإسرائيليون بأنها نخبة الوحدات العسكرية. بحسب قوله، فإن إجابات المؤسسة الأمنية مرتبكة وضبابية، وأن لديه معلومات لا يستطيع نشرها تمنح أسئلته نوعا من الشرعية.
وفي ذات الاتجاه ذهب مراسلون عسكريون ومحللون آخرون، معتبرين أن تحقيقا يُجب أن يُفتح في مقتل ضابط "اليمام" الذي وضعت وحدته في ظروف غير عادية لأسباب غير مفهومة حتى الآن، فقد كان بالإمكان حسب قولهم، اغتيال المطارد محمود الدبعي منذ أول ساعة وعدم الانتظار حتى تنفذ ذخيرته لكي يتم اعتقاله.
ملخص النقاش الدائر حول مقتل ضابط "اليمام" هو أن "مغامرة" غير مفهومة في بيئة معادية فيها عدد كبير من المقاومين تسبب في ضرب أهم وحدات الاحتلال الخاصة معنويا وماديا، وهذا ليس أمرا سهلا، في حين لم يقدم رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت والمؤسسة العسكرية الإجابة على جملة من التساؤلات حول عملية جنين، واكتفى جيش الاحتلال بالتأكيد على أن المطارد الدبعي شارك في عمليات إطلاق نار في جنين.
وفي ظل هذا النقاش المحتدم حول ضابط اليمام، سمحت الرقابة العسكرية بنشر تفاصيل حول الضابط في سييرت متكال الذي قتل باشتباك مع مقاومين في خانيونس بقطاع غزة قبل حوالي ثلاث سنوات. أيضا في عملية لا زال النقاش حولها مستمر، وقد تسبب باستقالة عدد من كبار ضباط الوحدة من بينهم مسؤول قسم العمليات.
يشبه النقاش الذي دار حول مقتل ضابط سييرت متكال محمود خير الدين، إلى حد كبير، النقاش الذي يدور حول مقتل ضابط اليمام. كيف تُرسل فرقة إلى بيئة معادية (غزة) فيها عدد كبير من المقاومين، وهل الثمن الذي كانت ستجنيه حكومة الاحتلال ومؤسسته الأمنية يوازي عملية أسر القوة مثلا؟! أو قتل جميع أفرادها؟ أو حتى بعض أفرادها؟!.
لدى مجتمع الاحتلال، تأخذ النقاشات في السنوات الأخيرة طابعا أيديولوجيا سياسيا أكثر منه علمي، بمعنى أن فشل قوة عسكرية أو مقتل عدد من أفرادها يتسبب تلقائيا باتهامات للحكومة قبل أن تتهم أي جهة أخرى، وينشغل الرأي العام المعارض في إثارة المستوطنين ضد الحكومة، قبل أن يجري أي نقاش من ناحية عسكرية وأمنية.
أيضا في المقابل، حتى المستوى السياسي لدى الاحتلال أصبح يتعامل مع إنجازات المستوى الأمني وكأنها إنجازات خاصة بالنظام السياسي وليس المؤسسة الأمنية أو الدولة في الإطار الأوسع، وهو ما يفسر مثلا انتقال جيش الاحتلال من استراتيجية الهجمات غير المعلن عنها رسميا في الخارج إلى استراتيجية الإعلان عن العمليات، ودار نقاش وجدل حول هذا التحول الذي يُقدر بأنه قد يتسبب بضرر سياسي وأمني للاحتلال، ووجهت اتهامات لرئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو بأنه صاحب الفكرة هذه، ويحاول الاستفادة منها للترويج لشخصه، وكان رده أن هذا التحول وافقت عليه المؤسسة الأمنية لاعتبارات أمنية وعسكرية وليست سياسية، الأمر الذي شكك فيه كثير من الخبراء الإسرائيليين.
في ضوء ما سبق، يمكن الاستنتاج أن رئيس وزراء الحالي بينيت يحاول بنفس الطريقة، استخدام المعلومات الموجودة لدى الرقابة العسكرية لتذكير الرأي العام الإسرائيلي والخبراء العسكريين المحسوبين على الليكود وتيارات المعارضة، أن هناك مغامرات أخرى وقعت في عهد نتنياهو، وأن هناك ضابطا كبيرا قتل ووحدة نخبة تضررت سمعتها وهيبتها وتساؤلات مفتوحة ليس لها إجابات أو على الأقل لم يعلن عنها.
يستند هذا الافتراض إلى حقيقة لم تعد سرا، إذ أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية أضحت اليوم أكثر امتثالا للاعتبارات السياسية منها للاعتبارات الأمنية، وأن قدرتها على التحديد والتأثير أقل مما كانت عليه، إلى درجة أن مراسلين صحفيين أصبحوا يخترقون قواعدها أحيانا في عمليات النشر، ومن الأمثلة على ذلك، نشر بعض تفاصيل حادثة تحطم طائرة عسكرية قرب حيفا قبل أشهر، وحتى عملية قتل ضابط اليمام، وأيضا بعض الفيديوهات والصور من مسارح العمليات.
نشر تفاصيل ضابط "سييرت متكال" في هذا التوقيت قد يكون تفسيره الوحيد هو إعادة النقاش من جديد في الفشل الذي صاحب تلك العملية التي حدثت في عهد نتنياهو أو على الأقل الرد بطريقة غير مباشرة على من يتهم حكومة بنيت في الفشل بعد عملية جنين وعدة عمليات أخرى تسببت بإصابة جنود وضباط من جيش الاحتلال، وهذا يعني أن ما يسمى الأمن القومي الإسرائيلي لم يعد أهم من الأمن السياسي لشخصية سياسية لدى الاحتلال، وهو مرض أوجده نتنياهو وسيستمر وسيكون له تأثير كبير من ناحية أمنية وعسكرية على الاحتلال.