بات واضحا أنه عشية اندلاع الحرب في أوكرانيا، حاولت تل أبيب إرضاء واشنطن وموسكو في نفس الوقت، مع ردود فعل متناقضة بين أركان حكومتها، ما يعقد موقفها في هذه الأزمة المتفاقمة، ويطرح تساؤلات حول تأثير الهجوم الروسي على أوكرانيا على الوضع الجيوسياسي في المنطقة، وعلاقة دولة الاحتلال به، وتنسيقهما الأمني في سوريا.
مع العلم أن الحرب في شرق أوروبا، والسلوك الروسي يضع دولة الاحتلال في مشكلة إستراتيجية خطيرة، من النواحي السياسية والتشغيلية الميدانية، رغم أنه عشية بدء الحرب في أوكرانيا، زعم مسؤولوها الأمنيون أن نظراءهم الأمريكيين يتفهمون التعقيدات السياسية والمصالح الإقليمية، ولا يطلبون أي شيء منها، وربما أن واشنطن لا تراها لاعبًا مهمًا بالصراع الدائر بين موسكو وكييف، رغم العلاقات التي تتمتع بها مع الروس.
في الوقت ذاته، قد تتأثر منظومة التنسيق العملياتية بين موسكو وتل أبيب الجارية في سوريا بصورة سلبية، بحيث ستصبح الآن معقدة، وتجد تل أبيب نفسها بين المطرقة والسندان، بين الحليف الأمريكي الكبير، مقابل القوة الروسية، فالإسرائيليون لديهم مصالح مهمة، ويرجع ذلك أساسًا لوجودهم العسكري في المنطقة.
ومع توسع الحرب، سيجد الاحتلال صعوبة بالغة في الاستمرار بإرضاء الجانبين، موسكو وواشنطن، لكنه في حال ظهر مضطرا للاختيار، فإن الاصطفاف مع الجانب الأمريكي أكثر أهمية، رغم أنه لم يجهز بعد استراتيجية واضحة، ومع أنه كان مستحسنا التزام وزرائه الصمت، وعدم التعليق، لكنه ظهر متورطا في تشابك البيانات، والحديث بصوتين، سواء رئيس الوزراء الحريص على عدم إدانة روسيا مباشرة، أو وزير الخارجية صاحب السياسة المختلفة تمامًا بإدانته لها.
لم يعد سراً أنه عندما بدأت مدافع الحرب الروسية الأوكرانية بالهدير، فإن الجهود الإسرائيلية من وراء الكواليس لم تتوقف، ربما بسبب الوجود الروسي في المنطقة المحيطة بدولة الاحتلال، وهناك مصلحة للأخيرة بتشديد العلاقات بين أجهزتهما الأمنية، لكنها ستتجه في النهاية نحو الجانب الأمريكي الغربي، وفي الوقت ذاته فإن تصعيد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة سيعطي إشاراته السلبية فيما يتعلق بالمصالح الإسرائيلية، خاصة أن الروس قاتلوا بجانب تحالف حزب الله وإيران في سوريا، ويساهمون بتزويدهما بالمعارف العسكرية والأسلحة التي تشكل تهديدًا كبيرًا لدولة الاحتلال.
صحيح ان موسكو وتل أبيب ليستا صديقتين، لكنهما ليستا عدوتين في الوقت ذاته، ما يجعل العلاقة بينهما معقدة للغاية، رغم أن الأخيرة على المستوى السياسي في عهد نتنياهو أدارت العلاقة، وعلى مستوى المؤسسة العسكرية، بشكل متقدم في السنوات الأخيرة، أسفر عن استمرار العدوان على سوريا بسبب التعاون المحلي مع الروس، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة، رغم أن للمؤسسة العسكرية للروس والإسرائيليين مصلحة مشتركة بإخراج الإيرانيين من سوريا.