شبكة قدس الإخبارية

مآسي غزة: رضيع قتله البرد وطفل طحنته الجرافة خلال بحثه عن لقمة العيش

272456743_475650844059828_2330310647159802664_n
هديل الغرباوي

غزة – خاص قُدس الإخبارية: جاء شتاء هذا العام ثقيلاً وصعباً على أهل غزة، فالمنخفضات الجوية المتلاحقة رفعت الغطاء الممزق وكشفت المقومات المتواضعة الهشَّة، والتي لا تكفي لرد موجات البرد القارصة.

زَّخَات من الأمطار كانت كفيلة بإغراق قطاع غزة في شبر ماء، والصور التي تم تداولها أمام المدارس وفي الشوارع والساحات والحواري والأزقة والمخيمات الفقيرة، خير دليلٍ على هشاشة البنية التحتية في أنحاء القطاع، كما أنَّ انقطاع التيار الكهربائي شبه الدائم حرم الغزيين من تشغيل وسائل التدفئة.

وفيما كان العالم يحتفل بالزائر الأبيض الجميل، حبس الغَزِّيون أنفاسهم خشية تجدد المنخفضات الجوية والتي لا حيلة لهم لدرئها سوى بالدعاء واشعال بعض الحطب، إن توفّرَ!

ورغم أنَّ المنخفضات الجوية كانت دون المستوى المتوسط من حيث الحِدَّة، إلا أنَّ ضعف البنية وهشاشة التحتية وعدم الجاهزية ونقص المعدات، بالإضافة إلى التدمير الذي لحق بالبنية التحتية جراء حروب الاحتلال المتكررة على قطاع غزة كشفت حجم ومستوى المعاناة الإنسانية التي وصلت إلى حد الكارثة لأهالي القطاع، خاصة الفئات والشرائح المُعدَمة والمناطق المُهمَّشة، فقد غرقت الكثير من الشوارع والأحياء والمناطق بالمياه، الأمر الذي عطَّل حركة السير في الكثير من المناطق والشوارع المزدحمة.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر معاناة أطفال المدارس الذين عَلِقوا وسط المياه الجارية، وانطلقت عدة مناشدات من الأهالي لتعطيل الدراسة مؤقتاً رأفة بالأطفال، استجابت لها من قبل التربية والتعليم ومدارس وكالة الغوث ورياض الأطفال، وتزامن ذلك مع إعلان شركة توزيع الكهرباء في غزة عن تقليص ساعات وصل التيار الكهربائي إلى 4 ساعات فقط مقابل 12 ساعة قطع، بالإضافة إلى أزمة نقص غاز الطهي التي لا تزال قائمة حتى اللحظة ليعود الغزيون مرةً أخرى إلى البدائل كإشعال الحطب للتدفئة المنزلية وطهو الطعام إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!

وفي المنخفض القطبي الأخير، قبل أسبوع، نجت أسرة المواطن ناصر جبريل في مخيم البريج وسط قطاع غزة من موت محقق، بعد سقوط سقف غرفة النوم المغطى بألواح "الأسبست" والصفيح جراء كثافة تساقط الأمطار وسرعة الرياح، فقد أفاق الرجل في ساعة متأخرة من الليل على مشهد تهاوي سقف الغرفة على أطفاله، ولكن الله سلَّم ولم يصب أحد بأذى، في حين أنَّ العائلة باتت بلا مأوى فالبيت ذهب مع الرياح!

"الكرفان" لا يصلح للسكن

فَطَرَ قلوب الغزيين خبر تجمُّد الطفل الرضيع مراد البيوك ووفاته من شدة وقسوة البرد قبل يومين في مدينة خانيونس، يقول والده المكلوم لـ "شبكة قدس": كانت الأمطار تهطل بغزارة في الخارج وشعرت بالبرودة القارصة وتجمدت أطرافي أنا وزوجتي التي كانت تعاني من النفاس وتفيق كل ساعتين لإرضاع طفلنا الرضيع مراد، والذي لم يكمل شهره الأول، ومع ساعات الفجر همَّت بإرضاعه، فوجدته ساكناً بلا حركة ولا أنفاس، وبدأت في تحريكه وتقليبه، لكنه كان بارداً وشاحباً، فتعالت صرخاتها وانخرطت في نوبة بكاء مريرة، وهي تضم صغيرها لصدرها وبدأت تصرخ وتناديني: إلحق الولد.. إلحق الولد!

وأضاف: هرعت إليها وحملت فلذة كبدي بين ذراعي، وبدأت في محاولة التنفس الصناعي، ولكن دون أي استجابة، ولاحظت تحول جلده للون الأزرق مع خمود وسكون حركته وأنفاسه، فحملته بين ذراعي وركضت به في الشارع كالمجنون وأنا أنادي على أخي وجيراني لإحضار سيارة تنقلنا لمستشفى ناصر الطبي، وبعد قرابة ساعة ونصف من الفحوصات الطبية ومحاولات انعاش القلب.

ويروي الوالد المكلوم: خرج الطبيب وقال: "عظم الله أجركم! مات مراد"، أخبرني الأطباء أن طفلي الرضيع تجمَّد بسبب الصقيع مما جعلنا نقوم بعرضه على الطب الشرعي والذي أفاد بأن شرايينه وأوردته تجمدت بفعل موجة الصقيع، الله يرحمه ويحسن إليه ".

ويتابع والد قائلاً: تزوجت قبل ثلاث سنوات من خلال مؤسسات تيسير الزواج، ومنذ ذلك الحين وأنا أسدد ديون الزواج كما أن عملي الحالي بالكاد يكفي لتوفير قوت يومي وفي أحيان كثيرة.. لا يكفي! فأنا أعمل في جمع الخضراوات " البطاطا والبندورة " بأجر لا يزيد عن خمسة شواكل كل عدة أيام، لذا اضطررت إلى بيع ذهب زوجتي لتسديد الديون وتوفير لقمة العيش التي باتت صعبة جداً هذه الأيام، وحيال ذلك لم أتمكن من تركيب شبابيك للمنزل واكتفيت بتغطية النوافذ بالنايلون عسى أن تقينا برد الشتاء، ولأن الثقوب كثيرة في سقف البيت المغطى "بالاسبست" والصفيح، نضطر كل شتاء إلى وضع الجرادل والبراميل حتى لا تتبلل الأغطية والملابس وأرضية البيت البارد".

"ظروفنا الصعبة حرمتنا حتى من توفير الكساء إلى حد أنني لم أقدر على شراء كسوة شتوية لابنتي الصغيرة التي رشفت عظامها رياح الشتاء الباردة وجمدت طفلي مراد، أنتظر بفارغ الصبر شيك الشؤون الاجتماعية لشراء مدفأة أو تركيب شبابيك للبيت أو توفير فرصة عمل لي أو نخوة الأجاويد وأتمنى أن لا يطول انتظارنا"، يقول البيوك.

حاولت مراسلة "شبكة قدس" التواصل مع زوجته ولكنها كانت تعيش حالة صدمة نفسية صعبة جراء فقدانها لطفلها الرضيع، يتابع زوجها بحسرة "زوجتي كل ثانية تنظر لمكان وجود الطفل الرضيع وتبكي بشدة تنظر وتبكي، وأنا الآن أعيش في حالة صدمة كبيرة والله يرحمه ".

"تراجيديا" عالمية غزية بامتياز

وفي مشهد مستوحى من التراجيديات العالمية فقدت غزة الطفل أسامة السرسك في مكب النفايات بمنطقة حجر الديك حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بين القاذورات والنفايات بحثاً عن لقمة العيش، شبَّ الصغير في مكب النفايات حيث يعمل والده في القمامة منذ عشرين عاماً، فيقوم الصغير بجمع ما تيسر من قطع الخردة وبقايا الحديد والنحاس لبيعها بثمن زهيد لمساعدة والده في تدبر نفقات المنزل الكثيرة، تقول والدته المكلومة أنه " رافق والده يوم الخميس لتدبير أكلة يوم الجمعة"، وتشير الأم إلى أنَّ "أسامة كان يجمع بقايا الدواجن من القمامة ويقوم بتنظيفها واحضارها إلى والدته طالباً منها اعدادها للطعام، كما أن ملابسه كانت من البالة المستخدمة لتعذر شراء ملابس جديدة".

تتابع والدته حديثها بحزنٍ وبكاءٍ شديد لمراسلة "شبكة قدس" مستذكرة آخر أيام قضاها أسامة: ادخر مبلغ 6 شواكل واضطررت لأخذها منه على سبيل الدين لتدبر بعض المصاريف الضرورية، وبعد حين أعدت له خمسة شواكل وبقي له في ذمتي شيكل واحد وعدته بإرجاعه له، ولكن الصغير سامحني بالشيكل المتبقي وقال لي أنه سيجهد لادخار خمسة شواقل أخرى لشراء "ترنج شتوي" يقيه برد الشتاء أسوة بأبناء خالته، ودس الخمسة شواكل تحت السجادة ونظر إليها للمرة الأخيرة ليلحق بوالده إلى مكب النفايات ولم يرجع أبداً. تقول الأم أنها ستخرق الخمسة شواكل وتعلقها قلادة على صدرها كتذكار من صغيرها!

أما والد أسامة فيقول: خرجنا يوم الخميس الساعة العاشرة والنصف صباحا لمكب النفايات وباشرنا عملنا بالبحث عن الحديد والنحاس لبيعه وسد رمق جوعنا، مكب النفايات كبير جداً ومساحته قرابة 2000 متر مربع، لذا نقوم بتوزيع أنفسنا كل في جهة بحثاً عن الحديد والنحاس وبعض الأشياء البالية، عند الساعة 12 والربع ظهراً افتقدت طفلي أسامة وبدأت في البحث عنه برفقة طفلي مهند والذي يبلغ عمره 11 سنة. ظهر الخميس اشتدت سرعة الرياح وبدأت في تقليب النفايات المتراكمة عسى أجد أسامة أو أسمع صوته دون فائدة، وهرعت إلى سائق الجرافة أسأله عن إبني لكنه نفى مشاهدته له واستعرت هاتفه النقال للاتصال بزوجتي وسؤالها عن أسامة فلربما عاد إلى البيت، لكنها نفت وجوده وباتت تسألني: وين راح الولد، وين أسامة؟

جثة مشوهة

يتابع والد أسامة بحسرة في حديثه لـ "قدس": رجعت لمكب النفايات أبحث عن طفلي المفقود لعلي أعثر له على أثر، ولكن فقدت أثاره، مرت 8 ساعات على فقدانه وأصبحت أركض وسط وحول الماء والبرك الكثيرة إلى أن غاصت قدماي في الوحل والأمطار تتساقط بغزارة وأنا أنبش القمامة والأرض الموحلة، وأصرخ مناديا:ً أسامة.. أسامة.. أسامة.. متوسلاً وراجياً الله العثور على ولدي، وجاء الجميع لمساندتي ومشاركتي عمليات البحث عن طفلي المفقود.

"بحلول الساعة 8 مساء ومع تكثيف البحث ومشاركة الجرافات ووسائل الإنارة، لم يبق لنا سوى نبش تلة النفايات الكبيرة وبعد إزاحة القمامة عن التلة، تم إخراج جثة مشوهة بالكامل وقد التصقت بها بقايا القمامة وطمي الوحل، حيث اخترقت أسنان الجرافة الرأس وتهتكت عظامه حد أن عظمة الرأس خرجت من الجمجمة، كما أنَّ الجرافة اخترقت بطنه فتدلت أمعائه خارج البطن وصدره كان ممزقاً كما أنَّ فخذته اليسرى كانت ممزقة أيضاً، في مشهد يبكي الصخور، شدة الصدمة جعلتني في حالة من الإنكار وعدم التصديق"، يروي الوالد.

ويتابع: "ما زال ولدي في ثلاجة الموتى، والنيابة ما تزال تتابع إجراءاتها فيما لا تريد أي جهة تحمل المسئولية سواء البلدية أو صاحب الجرافة والأمور لا تزال معلقة وغير واضحة، مين بدو يتحمل مسؤولية وفاة أسامة، أنا أحمِّل كامل المسؤولية للبلدية وخصوصا سائق الجرافة الذي قتل طفلي".

غياب المسؤولية 

جهاد السرسك عم أسامة، يقول في لقاء مع "شبكة قدس": وصلنا مستشفى الأقصى، أمروا بضرورة تحويل الجثة إلى مستشفى الشفاء الطبي للتشريح والبحث في وفاة الطفل لنعلم كيف وفاة الطفل، الجميع كان ينتظر نتيجة الطب الشرعي وسط النيابة والمباحث العامة والبلدية، سألت أخي والد أسامة يوم الخميس وين رايح بهيك جو ؟ رد عليا بدي أجيب أكلة يوم الجمعة للأولاد، كيف بدي أرد عليه؟ بقول من عرق جبينا أحسن من أن نمد أيدينا للناس، الطفل الآن بثلاجات الموتى ورافضين أن نستلم جثته لحين أن تصدر قرارات الطب الشرعي والتشريح!

الدفاع المدني: نفذنا 79 مهمة في المنخفض الأخير

المتحدث باسم الدفاع المدني الرائد محمود بصل، قال أن الجهاز نفذ 79 مهمة، منها ثلاث حالات اختناق، منذ بدء المنخفض الذي تتأثر به فلسطين وحتى صباح اليوم الخميس.

وأوضح بصل أن المهام التي تم تنفيذها تنوعت ما بين، 42 مهمة لتطاير ألواح معدنية وخزانات مياه من أسطح المنازل، وسحب سيارات عالقة في برك مياه شمال القطاع، وثلاث عمليات سحب لمياه غمرت منازل السكان، و 4 مهام شفط مياه متجمعة، وتسعة انهيارات منازل جزئية، وإزالة ثلاث أعمدة وأشجار آيلة للسقوط، وخمسة مهام أخرى.

وبيَّن بصل أن جهاز الدفاع المدني تعامل أيضاً مع ثلاث حالات اختناق لفلسطينيين في محافظة خانيونس، نتيجة استنشاقهم غاز أول أكسيد الكربون وإشعال الفحم داخل غرف مغلقة.

#غزة