لم تعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ملكاً لعناصرها وقادتها، بل هي حركة كبيرة ووازنة وهي ملك لكل الشعب الفلسطيني، وانتقادها البناء ينبغي أن تتبناه الأطر القيادية للحركة ودراسته وتصحيحه إن كان هذا الانتقاد يصب في الصالح الوطني العام والحزبي الخاص، لأن حركة فتح تقود منظمة التحرير الفلسطينية، وهي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها الأمنية والسياسية والاقتصادية.
شبه إجماع بين المراقبين للشأن الفلسطيني على أن حركة فتح تعيش أزمة بنيوية، لأن المتتبع لمسيرة هذه الحركة التي كانت تشكل السواد الأعظم للشعب الفلسطيني يرى أن ثمة تراجعا ملحوظا في شعبيتها بالمقارنة مع شعبيتها قبل عدة عقود، وبات من الواضح أن فتح تدفع ثمن اندفاعها نحو اتفاق أوسلو الذي ثبت فشله من وجهة نظر الحركة الوطنية، وأفشلته أيضاً حكومات اليمين المتعاقبة في إسرائيل.
خروج جماعي من حركة فتح في أكثر من محطة والسبب هو التزامات السلطة الفلسطينية برزمة اتفاقيات لم تلتزم إسرائيل إلا بما يتقاطع مع مصالحها الأمنية، وأستشهد هنا ببعض النماذج الحديثة، حيث خرج من حركة فتح مجموعة من القيادات الوازنة مثل الشهيد جمال أبو سمهدانة والعديد من زملائه ليشكلوا لجان المقاومة الشعبية تعبيراً عن رفضهم لاتفاق أوسلو وسلوك السلطة الفلسطينية، وخرجت من رحم فتح حركة المجاهدين والأحرار، ومن ثم شهدت الحركة فصل العديد من قادتها لأسباب مختلفة مثل محمد دحلان، وأخيراً وليس آخراً شكل ناصر القدوة بمباركة من القائد مروان البرغوثي قائمة انتخابية للمنافسة على المجلس التشريعي الذي تأجلت الانتخابات في مايو/2021م لأسباب مختلفة أثارت جدلا في الساحة الفلسطينية وأظهرت حركة فتح كأنها تخشى الاحتكام للشعب الفلسطيني، وفي الانتخابات المحلية التي أجريت نهاية عام 2021م حصدت فتح وبعض الفصائل الأخرى ما نسبته 30% مقابل 70% للمستقلين.
قبل يومين اعتقلت أجهزة الأمن الفلسطينية بعض نشطاء المقاومة الشعبية في بيتا، وهو ما أثار تحفظ مكونات عديدة من شعبنا وكشف زيف الادعاء بتني المقاومة الشعبية التي يشارك في فعالياتها نائب رئيس فتح أبو جهاد العالول وكأن أكثر من مدرسة تسيطر على المشهد السياسي داخل فتح والسلطة.
ثم ذهبت اللجنة المركزية إلى تعيين روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، وحسين الشيخ للجنة التنفيذية وعدّ مرشح حركة فتح في الانتخابات التشريعية عام 2006م د. أحمد أبو هولي عضوا في اللجنة التنفيذية عن المستقلين، وهو سلوك مستفز للفلسطينيين بكل مكوناتهم في الداخل والخارج، ويعكس رغبة بالهيمنة على مفاصل النظام السياسي بعيداً عن أدوات الديمقراطية أو التوافق الوطني.
كل ما سبق يضعف رواية حركة فتح، ويستدعي أن تستنهض قواعد الحركة في استغلال المؤتمر الثامن ليكون مؤتمراً تصحيحياً لمسار ومسيرة الحركة الرائدة ضمن ثلاثة مسارات:
الأول: مسار تجديد الدماء عبر ضخ دماء جديدة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري ورئاسة الحركة.
الثاني: مسار تقييم المسار والمسيرة، بحيث بات التمسك بالسياسة الحالية يضعف فتح ويساهم في تراجع المشروع الوطني، ويبعد فرص الوحدة الوطنية بين حركات التحرر الفلسطيني.
الثالث: مسار فصل منصب رئيس حركة فتح وأعضاء لجنتها المركزية ومجلسها الثوري عن مناصب قيادة السلطة الفلسطينية، والعمل على استنهاض منظمة التحرير وإعادة الحياة الديمقراطية لمؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، والعمل على لم شمل الحركة عبر تقييم كل قرارات الفصل التعسفي المرتبط برغبات فردية وليس قرارات قضائية مستقلة وشفافة.
الخلاصة: إن عقد المؤتمر الثامن في هذا التوقيت يستدعي من كل المشاركين أن يغلبوا الصالح الوطني العام والفتحاوي الخاص عند تصويتهم، وأن تتقدم النخب الفتحاوية التي تؤمن بخط فتح المقاومة الصفوف لقيادة المرحلة التي لم ولن تعترف فيها إسرائيل بحقوقنا، ويتعاطى المجتمع الدولي بازدواجية معايير واضحة، وعليه فإن هذا المؤتمر يشكل فرصة سانحة وأخيرة أمام حركة فتح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل تراجع المشروع الوطني وصورة القضية الفلسطينية بسبب الاجتهادات الخطأ في العقود الثلاثة الفائتة.