مع تزايد الحديث الإسرائيلي عن قرب الإعلان عن صفقة الإقرار بالذنب الخاصة بنتنياهو، وبموجبها "يفلت" من سجنه الذي كان محتوما، تعد محافل إسرائيلية أن هذه الصفقة تكشف بصورة حادة حجم وطبيعة الفساد المستشري في الحياة السياسية، وأثرها في طبيعة النظام السياسي مستقبلاً، ولا سيما في ضوء تورط معظم الطبقة السياسية في قضايا فساد مالي وإداري وأخلاقي متعدد الجهات.
إن الصفقة الموعودة التي يسعى نتنياهو وفريقه القانوني لإخراجها تسلط الضوء على تبعات ونتائج ظاهرة الفساد السياسي في إسرائيل، خاصة على صعيد تراجع وضعية الدولة بين نظيراتها من دول العالم الغربي، وأثره في حجم الامتيازات التي ستحرم منها، إذا ما بقي "بارومتر" الفساد في مؤسساتها آخذاً في التزايد عاماً بعد عام، مع العلم أن هذه الصفقة تتواكب مع انتشار ظاهرة الفساد في إسرائيل.
إن أخبار الفساد المتزايدة باتت مثيرة للجدل في المجتمع الإسرائيلي، لأنها تكلف الدولة ثمناً باهظاً، ويدفع بالمرء لأن يطلق على الزعامة السياسية الحاكمة في إسرائيل اليوم بأنها "قيادة فاسدة"، وتسري كـ"القوارض" في روحها، من خلال قدرتها الفائقة على "تلويث" الجو، وتأثيرها السلبي في ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، ما يقلل من صورتها في العالم، ويخرج بقناعة مفادها أن إسرائيل وصلت إلى مستوى من الفساد فقدت من خلاله "الفرامل" والكوابح اللازمة لإدارة الدولة.
صحيح أن "الصفقة" المتوقعة تخلص نتنياهو من البقاء آخر حياته خلف القضبان، لكنها قد تشكل مناسبة لصدور مزيد من الدعوات الإسرائيلية لتجفيف مستنقع الفساد الذي تغرق به الحياة السياسية، التي باتت ذات رائحة كريهة، بعد اتضاح مدى استشراء ظاهرة الفساد السياسي، الذي قد يفوق خطر الهجمات الفلسطينية المسلحة، خاصة بعد مثُول عدد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية للتحقيق مع وحدة شرطة مكافحة جرائم الغش والاحتيال.
مع العلم أن واقع الفساد السياسي في إسرائيل يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع، وهي: الامتيازات الحكومية، والرشوة، والتعيينات السياسية، وهي جميعاً منتشرة بدءًا من رئيس الحكومة، مروراً بالوزراء وأعضاء الكنيست، وانتهاءً بالموظفين الكبار، ولعل سجلات النيابة العامة الإسرائيلية تحفل بعدد وافر من قضايا الفساد السياسي والإداري والمالي، التي عاشتها الأوساط الإسرائيلية منذ سنوات طويلة.
إن قدرة نتنياهو على "ترويض" المنظومة القضائية بإقناعها لإبرام الصفقة دليل جديد على التأثير المتنامي لهذا المسلسل من الفساد والفضائح على تدهور القيم وأفولها في إسرائيل، وانجرارها في الظلمة نحو هلاك محتمل، ليس بسبب أعدائها الخارجيين فقط، وإنما بسبب قادتها الفاسدين المفسدين، والإسرائيليون باتت لديهم قيادة تعيش كل الوقت تحت علامة استفهام أخلاقية، والجمهور لا يثق بها.