رام الله - خاص قدس الإخبارية: لم يكن "ن.ع"، وهو اسم مستعار لشخصيتنا، يظن أنه سيخلد للنوم ساعة واحدة قبل أن يطرق جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية باب منزله في مدينة نابلس لاعتقاله الساعة الواحدة فجرًا، ولم يتوقع أنها ستكون الساعة الأخيرة التي سيحظى بها في نومٍ هانئٍ لثلاثة أسابيع.
يروي "ن،ع" لـ "شبكة قدس" أنه وبعد نقله إلى السجن هناك، فحصوه طبيًا قبل أن يدخلوه إلى زنزانة ضيقة لا تتعدى مساحتها مترين تقريبًا، وبات ليلته الأولى فيها، إلى حين قدوم أحد أفراد الأمن الوقائي إليه لأخذه إلى غرفة المستشار القانوني، الذي بدوره أخبره حينها بانه معتقل بتهمة حيازة السلاح.
حيازة السلاح وجمع وتلقي الأموال تهمتان شائعتان في ميدان الاعتقال السياسي، إذ لا تستطيع أجهزة السلطة أن تنسب لنفسها اعتقال شخص على خلفية عمله السياسي، الأمر المنافي للقانون الأساسي الفلسطيني، فتذهب إلى تهمٍ مشروعة غير واضحة، تعطيها هامشًا من القمع والتعدي على الحريات العامة.
بعد رحلة طويلة بين أرجاء المحكمة والنيابة العسكرية، استطاع أن يحصل على قرار بالإفراج عنه من قاضي المحكمة في نابلس، إلا أن سعادته بالإفراج عنه لم تكتمل، حيث أعادوه لتلك الزنزانة متجاهلين قرار القاضي، وهو ما يعقب عليه "ن،ع" :" شعرت حينها أن القاضي فقط "ببغاء" بيد النيابة العامة، لماذا لم يأمر بتطبيق قرار الإفراج عني؟"، ويضيف أنه فور وضعه في الزنزانة بدأ بطرق أبوابها والصراخ "بأنني حصلت على الإفراج، لماذا تعيدونني هنا؟"
في ذات يوم صدور قرار الإفراج، يقول "ن،ع" إن عناصر الأمن الوقائي جاءت إلى زنزانته لأخذه، فظن حينها أن الفرج قادم، وسأل الضابط إن كانوا سيفرجون عنه، حينها أجابه الضابط ساخرًا: "الحفلة سوف تبدأ الآن"، ويتابع "ن،ع": لم أفهم مقصده حتى وصلت إلى الباب الخارجي للسجن، وكان بانتظاري عشرات العناصر من جهاز المخابرات، الذين اقتادوني مجددًا إلى داخل السجن، وفهمت لاحقًا أنهم قصدوا بهذه الحركة أن الأمن الوقائي قد أفرج عني طبقًا لقرار القاضي، وتخلى عن مسؤوليتي أمام القانون، وأن المخابرات هي من أعادت اعتقالي.
ويستكمل سرد قصته: في اليوم التالي، أعادت المخابرات اقتيادي للخارج، وظننت أنهم سيفرجون عني حقًا هذه المرة، سألتهم عن مقتنياتي الشخصية قالوا لي إنها بالمديرية واسأل عنها هناك، كنت حينها برفقة معتقل سياسي آخر، ولكن ما إن وصلت إلى الباب حتى غطوا وجوهنا ووضعونا في "السافانا"، وحينها نقلونا إلى أريحا، وبدأت رحلة عذاب من نوع آخر.
في معتقل أريحا..
بعد وصوله إلى معتقل أريحا، يستذكر المعتقل أنه وضع في زنزانة ضيقة وقذرة، والمرحاض موجود فيها، ويتابع حديثه: "منذ اللحظة الأولى لوصولي تم شبحي لأيام معدودات، وكان المحققون يتوافدون أفرادًا وجماعات للتحقيق معي، حاولوا إلصاق العديد من التهم لي، وسؤالي بمواضيع لم أكن أدري ما سببها وما ترابطها: سألوني عن جمع وتلقي أموال، وعن حيازة السلاح، حتى أنهم حاولوا أن يتهمونني بأنني ضمن شبكات دعارة."
"أحد المحققين قال لي: "نصفكم اعتقلكم اليهود والنصف الآخر اعتقلتكم السلطة"، وبعدها قام بسؤالي عن أحد المعتقلين قبلي، ولذلك لورود اسمي في محادثة معه على "فيسبوك" فقط، دون أن يكون لي علاقة بالسبب الذي اعتقلوه عليه، وهو أيضًا سبب سياسي بالمناسبة"، يصفُ "ن،ع".
ويضيف إن ظروف الزنزانة كانت سيئة للغاية، لم تتوافر المياه دائمًا للشرب، حتى أنني اضطررت أحيانًا لشرب الماء من "السيفون"، وتعمدوا حرماني النوم من خلال الطرق العنيف للأبواب، والأصوات المزعجة، ومنعوا أحدًا من زيارتي.
ويشير "ن،ع" إلى تعرضه لكلمات لفظية مهينة، فضلًا على الإهانة بالتعامل وتعمّد إشعاره بالذُل، ويختتم حديثه "رغبتُ في الانتحار بأي وسيلة ممكنة، لم أشعر طعمًا للمرارة كما شعرته في تلك الأيام، الأسوأ أنني تعرضت لها من أبناء جلدتي، دون معالم واضحة لسبب اعتقالي، كانوا يحاولون دفعي لأن أكره هذه البلد، وأظن أنهم نجحوا بعض الشيء حينها."
من جانبها، أكدت مجموعة محامون من أجل العدالة أنها تابعت قضية "ن،ع" الذي وجهت له النيابة العامة تهمة "حيازة السلاح" على خلفية سياسية، مشيرة إلى أنها وثقت الانتهاكات التي تعرض لها منذ اللحظة الأولى لاعتقاله وحتى يوم الإفراج عنه، وتجاهل النيابة العامة لقرار القاضي الإفراج عنه، كما وشددت على حرمان محامي المجموعة من زيارته والاطلاع على ظروف اعتقاله، سواء في سجني نابلس وأريحا.
في السياق ذاته، أشارت المجموعة في بيان لها، الخميس 2 ديسمبر 2021، إلى رصد أكثر من 200 حالة اعتقال سياسي وتوقيف من أيار\مايو الماضي، وقد زادت حدتها في الفترة الأخيرة.