ما لبثت الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تراقب بقلق ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بشأن إمكانية اللجوء لخيارات أخرى "غير سياسية" تجاه الملف النووي الإيراني، لاسيما مع اقتراب إبرام نسخة جديدة من الاتفاق النووي، في ظل مساعٍ أمريكية وأوروبية للعودة من جديد إلى اتفاق 2015.
صحيح أن هناك رغبة إسرائيلية لا تخطئها العين بعدم الدخول في صدام مع واشنطن بسبب إيران، على غرار مواجهة نتنياهو-أوباما، خشية زعزعة استقرار حكومة بينيت-لابيد التي تعتمد كثيرا على بقاء الدعم الأمريكي لها، لكن ذلك لا يمنع من القول إن بوادر تباين بدأت تظهر بين (تل أبيب) وواشنطن بسبب طهران، وجهودها المتواصلة، وخوضها سباقا مع الزمن، لدخول النادي النووي أسوة ببقية الدول التي حازت على عضويته منذ زمن طويل.
في الوقت ذاته، وعلى الرغم من التباين الإسرائيلي الحاصل بين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة، والمستوى السياسي من جهة أخرى، حول طبيعة السلوك المطلوب تجاه إيران، لكنهما ربما تتفقان على خطورة ما تقوم به الأخيرة، على اعتبار أن امتلاكها القنبلة النووية يعني حصولها على حصانة ردعية تجاه (إسرائيل)، قد تحميها من أي حماقة قد ترتكبها تجاهها، خاصة ونحن نتكلم عن قنبلة نووية، وليس صواريخ باليستية أو مضادات جوية أو خلايا نائمة منتشرة حول (إسرائيل) في مختلف الجبهات.
ما قد يشجع الحكومة الإسرائيلية على انتهاج سلوك غير سياسي تجاه إيران، على الرغم من الخلاف مع واشنطن، ذلك الدعم والتحريض اللذان تحظى بهما من دول المنطقة، لاسيما في دول الخليج، التي تشعر أنها مهددة من البرنامج النووي الإيراني، بصورة لا تقل عن الخطورة التي تشكلها على (إسرائيل) ذاتها، مع العلم أن الأخيرة تعلم تمام العلم أن التحريض الذي يمارسه عدد من دول الخليج لتوجيه ضربة لإيران، لن يحميها ذاتها من ردود فعل قد تقوم بها طهران ردا على ذلك.
حتى اللحظة لا يبدو أن (إسرائيل) بصدد العد التنازلي لتكرار ما حصل في مفاعل تموز العراقي في 1981، ودير الزور السوري في 2007، من خلال توجيه ضربات مماثلة لمفاعلات نووية إيرانية موزعة على مناطق عدة، وتحظى بحماية وحصانة أمنية وعسكرية كبيرتين، سواء لمعارضة الولايات المتحدة من جانب، وعدم امتلاك (إسرائيل) لمعلومات دقيقة، ودقيقة جدا عن المواقع المستهدفة من جهة أخرى، فضلا عن سوء التقدير الإسرائيلي المتوقع لرد الفعل الإيراني من جهة ثالثة، وسواء كان ردا قادما من طهران حصرا، أو من حلفائها المنتشرين على مختلف الجبهات المحيطة بـ(إسرائيل).
كل هذه الاعتبارات تبدو وجيهة لكبح جماح أي حماقة إسرائيلية تجاه إيران، لكن ذلك لا يمنع من تحقق مفاجأة غير متوقعة، وهو خيار يبقى قائما، على الرغم من تراجع فرص تحققه