شبكة قدس الإخبارية

"باسل الشوامرة" والرحلة للقدس.. من مقاعد الدراسة إلى الإصابة والسجن

149jqq6rmjky
مالك الجعبري

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في الثالث عشر من الشهر الماضي، استيقظ الفتى باسل يصلي الفجر، على عجل ينوي الذهاب للقدس - فتحرك قلب أمه خوفا عليه، قائلة "من شان الله يمّا في اعتقالات كتير بالقدس - ما تروح"، وظلت تحاول إقناعه بأن لا يذهب حتى الساعة السابعة صباحًا، لكنه أصر في داخله على ذلك، بحسب روايتها لـ قدس، مضيفة: أعطيته خمسين شاقلا وقلت له يما خود إلك عشرين وباقي المصاري اشتري فيهم أكل إلك ولأخوتك"، وكل ظنّ أم باسل حينها أنه سيذهب للتسجيل في دورة تعليمية ويشتري بعض الأغراض للمنزل ويعود في وقت لاحق.

باسل سالم الشوامرة (17 عامًا) من قرية دير أم العسل الفوقا، جنوب غرب دورا قضاء الخليل، الابن الأكبر وسط خمسة أبناء، والمعيل للأسرة رفقة والده حسبما تروي والدته التي أشارت إلى أنه طالب في الثانوية العامة ومتفوقٌ في دراسته، اتهمه الاحتلال بتنفيذ عملية طعن في الثالث عشر من الشهر الماضي أدت لإصابة مستوطنيْن قرب محطة الباصات المركزية في شارع يافا بالقدس.

باسل: ذكيٌ عنيدْ

تروي أم باسل خلال حديثها لـ "قدس" بأن نجلها كان يعمل قبل بداية العام الدراسي الحالي في الداخل الفلسطيني المحتل بمتجرٍ لبيع الخضروات، بغية مساعد أسرته إثر تأثرهم سلبًا من الناحية المادية فترة جائحة كورونا، ولقلة فرص العمل في الضفة، وتعرض باسلٌ حينها لما يعاني منه كثير من العمال بالداخل المحتل ألا وهو النصب والاحتيال، إذ تقول أمه: صباح يوم الاثنين صلى الفجر وقلّي يما بدي أروح آخذ مصاري من واحد يهودي قاعد بالقدس، نَصَب عليّ بمبلغ وقدر.. قلتله يما ما تروح وأنا بعطيك المصاري بس خليك عندنا، وحسيته ما اقتنع وسكت".

لكن جرأة باسل وعناده حملاه على أن يتوجه للقدس في يومٍ توترت فيه الساحات الفلسطينية إثر أحداث ما بعد نفق سجن جلبوع، واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، إلا أن أمرًا ما يستدعي لأن يذهب الباسل من أجله، ألا وهو حقه البسيط ببعض المال الذي سلبه أياه مستوطن يستوطن الأرض فمن البديهي عنده أن يسلب مال طفلٍ حصّله من كدّ جبينه أو قل إن شئت من سواعد طفل ما بلغ سن الرشد عمرًا وبلغه عقلًا وفعلًا.

تخطى الفتى الصغير عمره وجيله فكان سبّاقًا في الخير يحب رفقة ذوي الإعاقة الذين كان يألف صحبتهم - يرفض نظرة بعض الناس الدونية لهم، وكان ذكيًا يحب تعلم اللغات فكان يدرس اللغة الفرنسية في معهد ابن سينا بمدينة دورا، كما تبين أمه خلال حديثها لـ قدس بأنه كان يأخذ دورات لتعلم اللغة وكان له أصدقاء من كل الدول ومختلف الديانات.

كتوم طموح

يأتي الحزن ملحوظًا في صوت أمه حين تقول عن ابنها إنه كان كتومًا لا يظهر من توجهاته وآرائه ومواقفه إزاء الأحداث الراهنة شيئًا، لا تعلم إن كان يشارك في مسيرات مناهضة للاحتلال، أو إن كان متابعًا للأحداث السياسية، أو إن كان يحب فصيلًا أو حزبًا دون آخر، ولكنه كما كل الناس، آلمه ما سمع عن التنكيل بحق الأسرى، وربما هذا ما دفعه لما قام به بالقدس.

عصر يوم الاثنين - اتصال هاتفي وصل العائلة من محامٍ مقرب لهم يسألهم عن باسل، تقول أمه إنها أخبرت المحامي بأن نجلها غالبًا توجه للقدس؛ لأنها حاولت الاتصال به مرارًا دون رد، وكان الخبر الأول على مسامعها أن باسل استشهد، فتقول أمه: انربط لساني، ما عرفت شو أحكي، يعني حدا بقلك ابنك استشهد شو بدك تعمل! وبعدها جاء اتصال من المخابرات الإسرائيلية لنتوجه أنا ووالده إلى مركز تحقيق عتصيون، وهددونا إذا ما رحنا، بدهم يهدموا بيتنا ويضرّونا".

أمام فائض الأسى حين ظنّ الأهل استشهاد نجلهم، يعود الحزن ليكرر نفسه لحظة وصول والدا باسل إلى مركز تحقيق "عتصيون" جنوب بيت لحم، ليعرفوا وقتها أن ابنهم لم يستشهد وهو بمستشفى "شعاري تسيدك" بالقدس المحتلة، يرقد في غرفة العمليات ووضعه الصحي يوصف بالحرج، فيما اختلطت مشاعر الحزن بقليل الفرح - بعد أن كان الخبر استشهاد نجلهم، يأتي النقيض ليؤكد بقاءه على قيد الحياة وسط سماعهم شتائم ضبّاط مخابرات الاحتلال: ابنكم قاتل - مخرب - مجرم.. وكلها أوصاف لا شك تنفيها ابتسامة باسل عند وقوع العملية.

كذلك، وسيرًا على طريق الآلام مكرهين، وإذ مرّ أكثر من أسبوعين على الحادثة، لا تدري أم باسل ما هي طبيعة إصابة نجلها، وكم رصاصةٍ اخترقت جسده، يقال حسبما تروي أنها خمس رصاصات، في كل أنحاء جسمه، في الصدر والحوض والقدم والبطن، تستدرك بعضًا من كمد الأم على ابنها بأن الاحتلال يحرمها وزوجها من رؤيته وحضور محاكمته التي عقدت في محكمة القدس المركزية والتي ستعقد مجددًا الأربعاء القادم، ليبت في حكمه، قائلةً: أملي بربنا كبير يلي نجّاه من الموت - راح ينجّيه من السجن.

آخر نظرة جمعت والدة الفتى الباسل الذي حمل من اسمه معنىً حين وقف على باب المنزل مغادرًا قائلًا لأمه: يما وقتيش بدك تخطبيلي، ردت أمه: بس تخلص توجيهي يما. تبسم الفتى الباسل حينها، وانطلق للقدس حتى سمع الناس بما حصل يومها.