قطاع غزة - خاص قُدس الإخبارية: أثارت حادثة وفاة فتاتين وإصابة ثالثة في حادث سير في قطاع غزة مؤخراً موجة من ردود الفعل الغاضبة، من استهتار بعض السائقين، والتراخي أحياناً بتطبيق القانون والعقوبات على المتجاوزين.
الشقيقتان سمر وسالي فارس كريزم، وصديقتهما شهيرة شحيبر، تعرضن لحادث سير في مساء 18 آب 2021، أدى لوفاة سمر وشهيرة، بينما أصيبت سالي بجراح خطيرة، لا زالت في المستشفى تخضع لعمليات وتتلقى العلاج.
لم تكتمل فرحة المتوفاة سمر بوظيفتها الجديدة في مستشفى النصر للأطفال، حيث نشرت منشورا تعبر فيه عن فرحتها فليس من السهل الحصول على وظيفة بغزة.
الحادث أثار صدمة في المجتمع الفلسطيني، ودفع الناشطين للتعبير عن أسفهم وحزنهم، فهناك من وصف الحوادث الأخيرة باسم حوادث الموت، وآخرون وصفوه بمسلسل موت الطرقات، وهناك من اعتبر التراخي في تطبيق القانون سببا في حوادث السير.
والد المتوفاة سمر والمصابة سالي، فارس كريزم يقول: "مات الفرح في بيتنا، فكيف لنا ذلك وابنتي سمر غادرتنا دون رجعة، وسالي في المستشفى".
ويضيف كريزم لـ"شبكة قدس" وهو يخفي حزنه: "سمر توفيت ولكن همنا الآن سالي، نريدها أن تعود سالمة، فهي الآن تخضع لعمليات جراحية، ولديها كسور في رجلها وحوضها وقفصها الصدري، ورضوض وجروح".
وأوضح كريزم أن العائلة ماضية في البعد القانوني، مشيراً إلى أن وسطاء تدخلوا من أجل الصلح، وطالبنا مبدئيا بالمساهمة في تغطية علاج سالي، "لكن للأسف لم يتم الرد إلا من خلال اتصال هاتفي من أحد الوسطاء وبعد انتهاء المدة المتفق عليها، بأن هناك انشغالات عند عائلة السائق فلم يستطع الوسطاء أخذ رد منهم، الأمر الذي جعلنا مصريين على البعد القانوني".
توجهت مراسلة "شبكة قدس" إلى قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء، حيث وجدت العديد من الحالات التي تعرضت لحوادث سير خلال الشهور الماضية، وتفاجأت بعدم تسجيل كثير منهم بحوادث سير، وذلك لعدم سجن السائق، وللمضي بالصلح العشائري، وأحيانا حتى يتسنى للحالات السفر لـ"إسرائيل" وتلقي العلاج كون الأخيرة ترفض استقبال أي مصاب في حوادث الطرق.
تهاني الخطيب طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات، كانت ترقد على سرير بالمستشفى فاقدة للوعي والكسور والرضوض والجروح تملأ جسدها الصغير، ووالدها ينتظر دخول ابنته لقسم العمليات المركزية، ويقول لـ"شبكة قدس": "كنا نتحضر للذهاب في نزهة، فخرجت تهاني مسرعة تلحق بي وإذ بسيارة مسرعة صدمتها".
ويضيف والد تهاني والحزن يخنق صوته: "أتمنى أن تشفى في القريب العاجل، يقول الأطباء بأنها تحتاج لعمليات عاجلة بسبب كسور في جميع أنحاء جسدها، وقد لا تمشي بشكل طبيعي إلا بعد عشر سنوات"، موضحاً أن السائق هو جاره وتربطهم علاقة قوية، فلم يستطع أن يسجل الأمر كحادث حتى لا يسجن.
أما والد الطفل علي حسن حجازي يقول إن علي والذي يبلغ من العمر عشر سنوات، تعرض لحادث سير قبل نحو شهر ونصف وما زال يخضع للعلاج، وحالته الصحية تحسنت بشكل كبير.
يستذكر حسن يوم الحادث ويقول لـ"شبكة قدس": "كنت في طريقي لعملي ببيع الفواكه، مصطحباً معي علي، ويومها جاءت بضاعة جديدة، وسائق الشاحنة خبط علي، حملت ولدي وأسرعت إلى المستشفى، حيث تبين وجود كسر في الحوض ورضوض في أنحاء جسمه".
يضيف "خضع علي لعلاج مكثف واليوم تعافى بشكل كبير، فأسقطت حقي عن السائق، لأنني أدرك أن ما جرى لم يكن بإرادته، وخاصة وأنني أعرفه منذ زمن، إضافة إلى أنه تكفل بعلاج علي بشكل كامل".
العميد تامر شحادة مدير الإدارة العامة لشرطة المرور والنجدة، يؤكد أن أعداد الحوادث في تناقص مستمر، موضحاً أن كثافة سكانية عالية وأعداد السيارات الكبير، وقصر وضيق الشوارع يسهم في حدوث الحوادث.
وحول المتسبب في حادثة وفاة الفتاتان كريزم، يقول العميد تامر لـ"شبكة قدس": "الموضوع معقد قد يكون السائق، وقد يكون المشاة، وهناك أسباب أخرى كحواجز يضعها أصحاب المحلات، والتي تحجب الرؤية، وإتلاف إشارات وعلامات الطريق، وغيرها".
وصنف المخالفات إلى فئات، الأولى تشكل خطرا على الحياة لا يمكن التراخي فيها، وهي خمس: القيادة بلا رخصة، ودخول معاكس، قطع إشارة حمراء، سرعة زائدة والحركات البهلوانية، والاعتداء على شرطي المرور.
أما الفئة الثانية وهي البسيطة والتي لا تسبب خطراً على حياة الأهالي أو المرتبطة بالأمور المالية كالترخيص والتأمين، حيث كان هناك نوع من التراخي فيها تخفيفاً على الأهالي.
أما عن الحوادث، يوضح العميد تامر أن إحصائية الحوادث لهذا العام هي 1420 حادثاً منها 40 خطيراً، وأسفرت عن وفاة 33 حالة من بينها 7 حالات بشهر آب وحده، مشيراً إلى أن أعداد الحوادث أقل بكثير من العام 2020 الذي سجل فيه 2240 حادثاً، على حد تعبيره.
ومن خلال متابعة يومية لمعدة التقرير، وثقت أكثر من ١٠٠ حادث بين ٦ - ٢٢ سبتمبر الجاري، وهو ما يتناقض مع البيانات المعلنة رسميا.
شراكة وتعاون
ويشير شحادة إلى أن عدد شرطة المرور بقطاع غزة 1000 شرطي وهو عدد قليل ولكن يبذلون جهداً مضاعفاً، ويقودون عملية النظام والتنظيم، في ظل وجود أكثر من مليوني إنسان في القطاع، وأكثر من 140 ألف سيارة.
وبين أن من بين بنود الخطة، توعية الناس عامة بآداب وأخلاق الطريق سواء السائقين أو المشاة، من خلال استراتيجية إعلامية بالتنسيق مع الإعلام الحكومي، والخطب بالتنسيق مع وزارة الأوقاف، ومحاضرات بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم.
القانون الفلسطيني
وحول القوانين المعمول بها، يقول مدير عام الشؤون القانونية والتشريعات والبحوث في المجلس التشريعي الفلسطيني أمجد الآغا، إن القانون المرور رقم 5 لسنة 2000، عالج كثيراً من مشاكل المرور، وحدد المخالفات والغرامات المالية أو الحبس.
وبين الأغا لـ"شبكة قدس" أن معالجة قضايا حوادث المرور ونتائجها، لا تكون فقط من خلال قانون المرور، بل يمكن اللجوء أيضا لقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1934، فمثلاً المادة 112 من قانون المرور توضح أنه من تسبب بحادث سير أدى لوفاة شخص بغير قصد فإن عقوبته تكون الحبس لمدة سنتين، ولكن يمكن الاستناد أيضاً لقانون العقوبات في مادتيه 212 و213، والتي توضح جريمة القتل غير العمد وأن عقوبتها السجن المؤبد، ويترك ذلك لتقدير القاضي وقوة الحادث.