غزة - خاص قُدس الإخبارية: دخلت منزل الشهيد العالم الذي اغتالته طائرات الاحتلال جمال الزبدة وابنه أسامة في الحرب الأخيرة على غزة، الفرحة وتعالت زغاريد النجاح، فالدموع هذه المرّة ليست ألمًا ولا حزنًا بل سعادة لحصد ثمار التفوق، وتبدلت أباريق القهوة المُرّة إلى مشروبات ومحليّات.
حصدت سارة جمال الزبدة النجاح لتسير على نهجه في طريق العلم والتفوق، بنتيجة 95.3 في امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" في الفرع العلمي، وانتصرت لذكرى والدها وشقيقها..
أثبت سارة اليوم بتفوقها أن "المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر، وحققت رؤيا زوجة أخيها أسامة"، كما تقول.
وتروي شقيقة زوجها أسامة أنه "جاء لها في المنام فجر اليوم، وكان مبتسم الوجه يحمل بين يديه ورقة بيضاء مكتوب عليها رقم 95%، وسألته زوجته في الحلم ماذا عن الأعشار؟ فضحك وأشار لها على أصابع يديه برقم 3، وقد صدقت الرؤيا، فلم يتمالكها الفرح حين سمعت النتيجة وحضنتها باكية حيث تعالت أصوات الفرح والبكاء في آن واحد".
تقول سارة :" الحمد لله أني نجحت في إدخال الفرح على منزلنا وعلى قلب أمي وزوجة أخي، بعد أيام صعبة عشناها بسبب فراق والدي وشقيقي، لكن الفرحة منقوصة كنت أتمنى لو أن عائلتي مكتملة اليوم كلها تشاركني سعادتي بالنجاح، لكن بالطبع والدي وشقيقي يشعران بنا ووصلتهم الفرحة".
تؤكد سارة أنها تسير على درب والدها وشقيقها ولربما تدرس الهندسة، إن سمحت لها الفرصة ذلك، وترى أن لغزة حق على أبنائها أن يقاموا عدوهم بالنجاح والمثابرة، وأن لا يستسلموا لظروف الحصار والدمار والحروب التي يشنها الاحتلال ضدهم، فكل جيل سيأتي متفوقًا بشهاداته أكثر من الجيل السابق.
لم تذهب الابتسامة عن فم سارة طيلة حديثها عن المراحل التي مرت بها خلال دراستها الثانوية العامة، وحتى الصعوبات التي مرّت بها ووقوف والدتها وزوجة أخيها بجانبها ودعهما بعد انتهاء الحرب، لكن في لحظة بينما بدأت الحديث عن الجدول التي اتبعته خلال دراستها تذكرت شقيقها أسامة، ولم تتمالك نفسها حيث بدأت بالبكاء.
تروي: "كان شقيقي أسامة من المشجعين لي منذ بداية الفصل الدراسي للتوجيهي، وكان يشرح لي الدروس التي تصعب عليّ فهما أحيانًا، حيث يمتلك عقلًا ذكيًا جدًا خاصة في الفيزياء والرياضيات، ويمتلك قدرة رهيبة في تبسيط الشرح والفهم لأراجعها بعده بسهولة وتمكينها في عقلي، ".
منحها شقيقها الشهيد دفترًا أعدّ لها خلاله الخطة الدراسية لتسير عليها، حتى تاريخ 14 – 6 موعد الامتحانات، لكنها لم تفتح أراقه إلاّ بعد استشهاده وأصرت على أن تتبع الخطة التي أعدها لها، رغم أنها توقفت لمدة شهر بعد استشهاده عن الدراسة.
تتابع سارة "قرأت كلام شقيقي أسامة وتشجيعه لي، لم يتركني أبدًا، كان كل جمعة يأتي للمنزل ويحل لي أسئلة لم يكن حتى أستاذتي في المدرسة القدرة على حلها، حيث يمتلك عقلًا عبقريًا أخذه عن والدى، وأتمنى أن أحصل خلال مراحلي الدراسية القادمة ولو على جزء منه".
ترى ابنة الشهيد جمال الزبدة، أن من حق غزة على أبنائها النجاح، لتعوضها عن الحصار والقهر والظلم والحروب المتكررة عليها والدمار وصور الدمار التي تملأ شوارعها.
ولم تنس أن معلماتها في الفصل وقفن بجانبها ولم يتوانين عن دعمها وتعويضها لو بالقليل، على ألم فقدان والدها التي تعتبره مثلها الأعلى في حياتها وشقيقها العبقري كما تحب أن تصفه دائماً.
ووجهت رسالة الطلبة والطالبات للاستمرار في تحقيق أحلامهما والمثابرة والاجتهاد بالعلم، للوصول لأعلى المراتب، وتحدي الظروف مهما كانت صعبة، فهذا ما اعتاد عليه أهل غزة.
وبجانب سارة وصورة الشهيدان المعلقة في كل أرجاء المنزل، وقفت والدتها في صمود وعزة كبيرين تستقبل المهنئين بنجاح ابنتها وتهديه لزوجها وابنها، وهي "تشعر بوجودهما معها في كل لحظة وهذا ما جعلها تبدو مطمئنة وعزيمتها أقوى"، كما تقول.
تقول أم أسامة الزبدة :" فرحتي بنجاح سارة لا توصف خاصة، وبكل صدق استطاعت أن تبدل الألم والحزن الذي عشناها طيلة الفترة السابقة، إلى فرحة كبيرة خاصة أنها حققت وصية والدها لها حيث كان دائما يردد لها: "بدي إياكي تجيبي أعلى درجات وتفرحينا فيكي وتكوني من أوائل القطاع".
يقول العارفون بحياة الشهيد جمال الزبدة، أنه كان "طيب القلب وشديد اللين" مع أبنائه وعائلته رغم انشغالاته الكثيرة بالعمل، وكان حريصاً على دعم سارة ومتابعتها وتذكر أنه كان يدخل عليها غرفتها أثناء انهماكها في دراستها، فيقبل رأسها ويديها، ويدعو لها أهن لا يضيع الله ثمرة اجتهادها فثقته بتفوقها كانت كبيرة جدًا.
تشير أم أسامة أن سارة ابنتها شعرت في فراغ كبير جدًا بعد فراق والدها وشقيقها، وتقول: كنا دائمًا نحاول أن نسد الفراغ حتى لا يؤثر على مسيرتها التعليمية، ولم تتوقف عن تذكيرها بتنفيذ وصية والدها بأنه يريد منها أت تحصد أعلى الدرجات، فربما كانت تخفف عنها هذه الكلمات لتشجعها على العودة للدراسة في ظل الظروف المرّة التي تحيطها.
وتضيف: شبه كبير بين سارة ووالدها وشقيقها في الذكاء والمثابرة والقوة وتحدي الصعاب، حيث لم تحتاج سارة طيلة فترة دراستها للذهاب لأساتذة خصوصي فكانا يعوضانها عن ذلك.
التحديات التي مرت بها سارة مثل الحرب والفراق والحصار وكورونا وانقطاع التيار الكهربائي، "كانت كفيلة أن تضعف أي طالب يعيش بخارج هذه المدينة العصية عن الانكسار"، تقول الوالدة، لكنهم تفوقوا وبدلوا دموع غزة الحزينة إلى فرحة.
وكانت قد أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي بفلسطين نتائج الثانوية العامة لطلبتها، بعد أن مرّ على الطلبة هذا العام بعدة صعوبات، تمثلت في تأخر موعد الامتحانات بسبب كورونا والحروب على غزة، لكنهم أصروا على تحقيق النجاح كالعنقاء التي تخرج للحياة مرة أخرى من بين الركام.