الخليل - خاص قُدس الإخبارية: في منجرة الشهيد نزار العويوي التي غاب عنها لأكثر من شهرين نظراً للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية، تجول طاقم برنامج "المسار" مع صديقه نزار العويوي، للحديث عن المناضل الذي غيبه الاغتيال لكنه "باق في قلوب محبيه" كما يؤكد.
في المنجرة سجل نزار بعضاً من المقاطع المصورة التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول العويوي، ويشير إلى قطع فنية بسيطة أنتجها الشهيد في المنشأة التي كان يوفر منها لقمة عيشه.
وقال العويوي: نزار حتى في مهنته كان بسيطاً دائماً كان مشغول بالبال بالفكر والسياسة، اهتمامات الشهيد كانت كثيرة والجانب الثقافي أخذ حيزاً كبيراً من تفكيره
ويضيف بعد أن علا صوته "حسرة وحزن": الوضع الطبيعي أن يكون من يحمل مثل ثقافة نزار وذكائه في مركز أبحاث، لكن وقوفه في صف معارضة نهج التفريط جعله يدفع الثمن من حياته ولقمة عيشه.
ويروي العويوي عن لحظة تلقيه خبر استشهاد نزار: الخبر وصلني "بالتقسيط"، في البداية قالوا لي إنه مصاب بجروح ويتم معالجته، ثم حسم بيان المحافظة الأمر، وكان خبراً صادماً وتلقيت عشرات الاتصالات لأن الجميع يعرف قوة علاقتي به.
وتابع: في الشهرين التي تعرض فيهما للملاحقة كنت أتواصل معه لكي نخرجه من هذه الحالة، وحدثنا عن تهديدات بتصفيته، لكننا لم نتوقع أن يتعرض لتهديد حقيقي على حياته، نزار صاحب فكر فليردوا عليه بالفكر. وأشار العويوي إلى استهداف بيت نزار بإطلاق النار قبل شهرين، وقال: يبدو أن هذه كانت رسالة أخيرة وقد فهم نزار أن هذه الخطوة الأخيرة قبل الاغتيال.
ويقول عن صديقه الذي رافقه في رحلة الفكر والسياسة: نزار مدرسة وسبب اغتياله أنه جريء ويستطيع جذب الآخرين من خلال خطابه البسيط وعالي المستوى في الثقافة، وأجزم أنه قرأ آلاف الكتب ولديه إلمام بالاقتصاد والسياسة والفكر والدين والجغرافيا
وأشار إلى مسارات نظمها مع الشهيد لتعريف الشبان بجغرافيا فلسطين، وقال: ونظمنا مسارات في كل فلسطين وقد أنتج نزار فيديوهات لكثير من المناطق في البلاد ووثق الجغرافيا بطريقة جميلة، وكان يطمح لتوثيق التاريخ الشفوي وتاريخ المقاومة الفلسطينية بهدف إنصاف المناضلين وأبطال الثورة الفلسطينية
وأضاف: عمل نزار على أكثر من صعيد، وكان يحضر إلى المنجرة كي يؤمن لقمة عيشه ثم يعود للعمل في السياسة والفكر، وهو لا يعرف الحلول الوسط في القضايا الوطنية.
وأردف قائلاً: كثير من المواقف سأفتقدها بعد استشهاده، كان له نكهة خاصة في الحياة، حتى خصومه كان قادراً على فرض احترامه معهم
وفي بيت عائلته، يروي والده تفاصيل تلقيه خبر اغتياله: في اليوم الذي اغتيل فيه نزار كنت جالساً في بيتي بمدينة السلط بالأردن، وإذا بقريب يتصل بي ويقول هل سمعت شيئاً عن نزار؟ فقلت له: لأ، فقال: لقد قتل نزار، فحاولت أن أتماسك نفسي، فاتصلت بأخي في الضفة فسألته عن تفاصيل الحدث.
وتابع: فكرت في أمرين: كيف اتواصل مع والدته التي كانت في زيارة لمنزل شقيقها، وكيف استعد للسفر، اتصلت بشقيق زوجتي أم غسان وأخبرته أن يحضرها وجددت جوازات السفر وبعد أن وصلت وكان عندها نصف المعلومة، ولكنها قرأت في عيني أن هناك أمراً خطيراً وتوجهنا إلى الجسر فوراً.
تقول والدته إنها علمت بخبر استشهاد نزار من الناس على المعبر الرابط بين فلسطين والأردن: كنت أظن أنه جريح في رجله وحضرت نفسي أن أجلس بجانبه في المستشفى وأبقى معه، لكن في الجسر كان الناس يشيدون به فعرفت أنه استشهد فتماسكت وصبرت نفسي.
وعن موقف العائلة من لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة، قال والده: نحن أمام سؤال يجب أن تواجه به السلطة هل ما حصل لنزار اعتقال أم قتل؟ حقيقة أنه قتل وليس اعتقال،ليس من المعقول أن تذهب وحدة كاملة حتى يعتقلوا إنساناً نائماً ويضربوه بهذه الوحشية، وهو لا يملك إلا الكلمة، لكن يبدو أن التوجه كان لقتله.
وتابع: أمامنا جريمة القتل، الخطوة الأولى أن تعترف السلطة بذلك ويترتب التحديد الفوري للعناصر التي نفذت الجريمة ثم تأتي مرحلة اعتقالهم والتحقيق معهم والخروج بنتائج سريعة، وهذا يتطلب وجود لجنة تحقيق يرضى بها الجميع وعلى ضوء هذه النتائج سيكون لكل حادث حديث
وأضاف: رشحنا الطبيب حازم الأشهب ليمثلنا في جانب التشريح لأن لديه مصداقية في هذا المجال ونثق أنه سيحفظ حقوقنا في هذا الجانب، عندما تبين لنا أن اللجنة مكونة من وزير العدل وضابط في الاستخبارات وانسحاب نقابة المحامين، فحددنا مهمة الطبيب أن تكون في الجانب التشريحي عندما تتكون اللجنة التي نريدها
وفي رسالة للعالم، تقول والدته: رسالة لكل أحرار العالم بأن يتخذوا قرارات تحمي قضية نزار، لكي يتعلم الناس قول الكلمة الحرة، الموت واحد لكن الأسباب تختلف، وكل إنسان يجب أن يحكي عن الحرية الشعوب خلقت حرة
ويضيف والده: على قناعة مطلقة أن الموت حق وأجله كان في هذه اللحظة، لأنه كان على حق فكأن العناية الإلهية تدخلت قررت أن تكون له موتى شريفة نظيفة تخلده على مدى الأجيال وتوصل رسالته المتمثلة بالكلمة الحرة النظيفة البعيدة عن العنف والاستقواء ليكون له دور في الإصلاح.
من جانبها، تقول زوجته جيهان بنات: هناك من حاولوا تشويه صورة نزار وأن يحطموا ما بناه من ثقافة خلال 20 عاماً، وعندما شاهدت الجنازة وقف النزيف في قلبي وتيقنت أن نزار قائد الثورة حتى لو استشهد، وقد دخل إلى كل بيت والكل يتوجه الآن إلى الفيديوهات الخاصة به ليستمع لها.
وأشارت إلى أن "شخصيات من كل العالم تواصلت معنا، ولم يعد نزار للشعب الفلسطيني فقط وقد نجح بإيصال رسالته التي عمل من أجلها".
وأكدت أن نزار لم يتراجع رغم كل التهديدات التي تعرض لها، وقالت: لم يتراجع رغم كل التهديدات ومات مرفوع الرأس، شكرا لك إنك زوجي وقد رفعت رأس في الدنيا والاخرة.
وكشفت قبس ابنة الشهيد نزار عن تعرضها للملاحقة طوال فترة مطاردة والدها، وأوضحت: عندما كنت أتوجه إلى المدرسة أو إلى أي مكان آخر كانت مركبة تطاردني وتقترب مني وهذا كثيراً ما أثار الخوف بداخلي.
وعن الليلة التي تعرض فيه منزل العائلة لإطلاق نار، تروي قبس: قبل الاعتداء نزلت إلى الشارع وقابلني شخص ملثم أثار الرعب بداخلي، وسألني عن والدي وزعم أنه يريد تسجيل برنامج معه، لكنني لم أصدقه وأثار الشك والريبة لدي، فقلت له: والدي ليس هنا.
تحمل قبس كاميرا والدها، وتقول: كان عن طريق هذه الكاميرا يوصل صوته لجميع أنحاء الوطن ويواجه الفساد، وقد ترك لي مجموعة من الكاميرات وسأكمل مسيرته، ودائماً قال لي هذه البلاد بحاجة لتضحية حتى آخر نفس، وأوصاني أن لا أخفض رأسي أمام أحد.