مع كل خبر يتعلق بدخول ما تسمّى الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، لحكومة الكيان الصهيوني الجديدة؛ كانت قناة "العربية" تصرّ على وضع عنوان عن انتماء تلك الحركة لجماعة الإخوان المسلمين؛ ما اضطر الجماعة بقيادتها المصرية، إلى إصدار بيان ينفي ذلك.
لا حاجة للبحث والتنقيب عن السرّ وراء ذلك، فالكل يعرف أن القناة تنسى مهمتها الإعلامية حين يتعلق الأمر بالإخوان ما يسمّى "الإسلام السياسي"، وتتحوّل إلى أداة للشعوذة وتنفيس الأحقاد والأمراض. وهنا في هذه الحالة تحديدا، كانت تمارس ترويج السقوط السياسي، تماما كما تفعل بائعة الهوى حين تبرّر ما هي فيه بالقول إن كل النساء كذلك، مع أن الحقيقة أنها تتمنّى ذلك. وقد عبّر القرآن الكريم عن حالة مشابهة بالقول: "ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء".
هذا الفقرة أعلاه تتعلق بمن استخدموا ويستخدمون القصة أعلاه، وجميعهم من كارهي ما يسمّى "الإسلام السياسي"، فضلا عن كارهي الإخوان تحديدا، إن كانوا من أوساط السلطات، أم كانوا غير ذلك، ولا ننسى أن منهم من يكره الإسلام ذاته، وإن لم يصرّح بذلك.
نفتح قوسا كي نقول؛ إن السقوط في عالم السياسة لا صلة له بالأيديولوجيا، إن كان على صعيد الأفراد، أم الجماعات، فما من مجموعة يمكن القول إنها محصّنة تماما؛ على تفاوت بين واحدة وأخرى، فقد سقط شيوعيون ويساريون وقوميون من كل الألوان، وسقط إسلاميون من كل الألوان أيضا.
ولكن ما هي الحكاية، وهل لمنصور عباس وجماعته صلة بجماعة الإخوان المسلمين؟
من المفيد القول؛ إن الإخوان ليسوا تنظيما مصمتا بقيادة واحدة، وما حكاية التنظيم الدولي سوى صيغة من صيغ التنسيق لا أكثر، وهي صيغة لم تكن فاعلة في تحديد الخيارات السياسية للفروع المحلية، ومن هنا نشأت الفوارق اللافتة بين فروع التنظيم في كثير من السياسات.
والخلاصة أنهم مدرسة أكثر من كونهم تنظيما، تماما كحال السلفية التي يمكن وضع "تنظيم الدولة" ضمن إطارها، وكذا حزب النور المصري، بل حتى "المداخلة" و"الجامية"، مع عدد من المسمّيات الأخرى.
الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، لم تكن في أي وقت جزءا من الحركة الإخوانية، حتى في إطارها التنسيقي المشار إليه، لكنها كانت جزءا من المدرسة.
هل ينطبق ذلك على جماعة منصور عباس؟
إذا أردت النكاية، فستجيب بـ"نعم"، لكن الواقع ليس كذلك، لأن مواقف فروع الجماعة، وفي مقدمتها الفرع المصري، هي التي تعطي فكرة عن الحقيقة.
كانت الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48 وحدة واحدة، بقيادة الشيخ عبد الله نمر درويش، واستمر ذلك حتى العام 1996، حين استعر الخلاف بشأن المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، حيث أصرّ الشيخ على المشاركة، بينما رفضها أهم القادة يومها (الشيخ رائد صلاح) وغالبية معه ذلك، فكان لا بد من الانفصال، وشاع في الوسط السياسي هناك أن الشيخ رائد يمثل الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، فيما الطرف الآخر هو (الجناح الجنوبي).
منذ ذلك الحين، وعبر كل الفعاليات السياسية والدينية، كان الشيخ رائد صلاح هو الذي يمثل المدرسة الإخوانية، وهو الذي تقدّمه فروعها في العالم أجمع، بوصفه الأقرب إليها، وبوصفه حارس القدس والمسجد الأقصى، والدليل أن أحدا في الأوساط الإسلامية خارج فلسطين، لا يعرف شيئا عن الحركة الأخرى، ولا يعرف قادتها (آخرهم راهنا حماد أبو دعابس). وقد دفع الشيخ رائد ومن حوله ثمن ذلك؛ مراحل سجن متتالية، فضلا عن حلّ الحركة رسميا في 2017، مقابل تشجيع الأخرى من قبل سلطات الاحتلال.
في الوضع الراهن الأخير، انتقلت المجموعة إياها من مرحلة المشاركة في "الكنيست" إلى مرحلة المشاركة في حكومة الاحتلال، وهي نقلة ساهمت فيها ميل الدولة العميقة في الكيان للإطاحة به بأي ثمن، وصولا إلى محاكمته لأجل إبعاده عن المجال السياسي. أما الأهم من ذلك، فيتمثّل في شعور قادة الكيان بأزمة كبرى بسبب تبعات انخراط فلسطينيي 48 في انتفاضة القدس، والأمل في أن تؤدي مشاركة مجموعة عباس (لها 4 مقاعد أو ثلث مقاعد العرب في الكنيست)، في إعادة دمجهم من جديد. ومن هنا يمكن القول إن ذلك كله يُضاعف من تبعات الخيانة التي تورّط فيها منصور عباس؛ لأنها تأتي في لحظة فارقة يحتاج معها الفلسطينيون إلى تأكيد وحدتهم، بعيدا عن التقسيمات البائسة لأزمنة الهزيمة.
لم نتردد في وصف ما فعله بالخيانة، رغم تجنّبنا الدائم لاستخدام هذا المصطلح في عالم السياسة، والسبب أنه كان جريمة مضاعفة، بمخالفته للمبدأ من الأصل، وبوقوعه في توقيت حيوي من جهة أخرى.
ردود الفعل الساخطة على خطوة منصور عباس في أوساط فلسطينيين 48، فضلا عن سواهم تؤكد ذلك، وإذا ما أعيدت الانتخابات، فإن احتمال تجاوزه لنسبة الحسم سيكون مشكوكا فيه، هذا إذا لم يحدث تطور يخصّ الحركة التي يمثّلها، من حيث مراجعة الموقف والاعتذار عنه. هذا مع التذكير بأن ما جرى يؤشّر لصوابية موقف الشيخ رائد صلاح. ولو أجريت مراجعة دقيقة لما قدّمته مشاركة فلسطينيي 48 في انتخابات الكنيست من منافع، مقابل ما سبّبته من أضرار، لكانت النتيجة لصالح المقاطعة، لا سيما أن أكثر ما تحقق من مصالح، كان يمكن تحصيله بنضال مدني دون الحاجة لمنح الشرعية لكيان محتل من خلال مؤسسته التشريعية.
تبقى ضرورة القول إن المسؤولية الكبرى لما جرى، إنما تقع على عاتق قيادة "فتح" والمنظمة التي ساهمت في ذلك بتعاملها مع فلسطينيي 48 كجزء من دولة معترف بها، وليس كجزء من شعبها؛ هي التي خرجت لتحرير المحتل عام 48، وحين احتل الباقي تنازلت عن القديم، وصارت تتحدث عن الجديد، ثم أمعنت في الانبطاح أكثر فأكثر، حتى همّشت الشتات الفلسطيني برمته بعد "أوسلو"، وليس فلسطينيي 48 فقط.
المصدر: عربي 21