تعرّف عملية إعادة الإعمار بأنها " مجموعة شامة من الإجراءات التي تسعى إلى تلبية احتياجات الدول الخارجة من الصراع، للحيلولة دون تصاعد العنف أو العودة إليه، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع وتوطيد السلام المستدام".
فبعد أن توقف العدوان على قطاع غزة عام 2014، وضعت خطة عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة بواسطة لجان حكومية، مشكلة من الهيئات الوزارية وغير الوزارة في السلطة الوطنية الفلسطينية، بمشاركة المنظمات الأممية العاملة في فلسطين، دون مشاركة المجتمع المدني والأطراف الفاعلة في عملية إعادة الإعمار كالقطاع الخاص المحلي، وبعد 5 سنوات من انتهاء الحرب على قطاع غزة، لا تزال عملية إعادة الإعمار تسير ببطء شديد. وفي الوقت الحالي، من الصعب قياس عملية التقدم الفعلي في عملية إعادة الإعمار حيث أن الفريق الوطني لإعادة الإعمار توقف منذ العام 2015 عن إصدار أيّ تقارير حول التقدم في عملية إعادة الإعمار.
سيناقش موجز السياسات هذا الإشكاليات التي واجهت عملية إعادة الإعمار، خلال الأعوام الخمس الماضية، ليطرح تصورا حول " كيف كان يجب أن تكون عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة !؟ " .
- مأسسة عملية إعادة الإعمار:
يتم إدارة عملية إعادة الإعمار وفقا للسياسات المقرة من قبل اللجنة الوزارية لإعادة إعمار قطاع غزة، وبحسب خطة إعادة الإعمار فإن اللجنة تتكون من وزراء: المالية، والتخطيط؛ والشؤون الاجتماعية، والزارعة؛ والأشغال العامة والإسكان؛ والحكم المحلي؛ ورئيس سلطة المياه الفلسطينية؛ ورئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية. في حين أن التجارب الدوليّة، تشير إلى أهمية وجود هيئة اعتبارية، مستقلة ماليا وإداريا، توكل إليها عملية إعادة الإعمار، حيث تحظى هذه الهيئة بالولاية القانونية لتنسيق جهود إعادة إعمار بما في ذلك عمليات التخطيط؛ وتجنيد الأموال، وتقديم مقترحات القوانين ذات الصلة، والتنسيق مع الهيئات المحلية، والمنظمات الدولية، والمانحين، والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
- غياب الإطار القانوني:
على الرغم من مرور الأراضي الفلسطينية بعمليات إعادة إعمار واسعة النطاق في الفترة ما بعد العام 2000، (عمليات إعادة الإعمار ما بعد عدوان السور الواقي، عملية إعادة الإعمار ما بعد عدوان عام 2008، عملية إعادة الإعمار ما بعد عام 2014) إلا أنه لم يصدر عن السلطة الوطنية الفلسطينية قوانين ناظمة لعمليات إعادة الإعمار واسعة النطاق، حيث تهدف هذه القوانين بشكل أساسي إلى تسهيل وتسريع عملية إعادة الإعمار وتتضمن هذه القوانين في العادة رزمة من التشريعات ذات العلاقة بتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، الإعفاءات الضريبية على قطاع الإنشاءات، وإنشاء الشركات، وتعديلات على القوانين المتعلقة بالملكية والإسكان، وإعادة تنظيم مناطق نفوذ وصلاحيات الهيئات المحلية.
- المشاركة.
أعدت الخطة الوطنية لإعادة الإعمار، بواسطة مكتب نائب رئيس الوزراء، وقد وأشرفت عليها اللجنة الوزارية العليا لإعادة إعمار غزة. كما ساهم في إعداد الخطة فريق فني مكون من ممثلين لعشرين هيئة ومؤسسة حكومية، تشير السلطة الوطنية إلها أنها قد عملت بالتنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات الدولية والدول المانحة، فيما يشير واقع الحال لعكس ذلك. حيث يشير المجتمع المدني والقطاع الخاص في قطاع غزة إلى أنه لم يشرك مطلقا في إعداد الخطة، أو المساهمة في إبداء الرأي في أي من السياسات ذات الصلة بعملية إعادة الإعمار.
ومن جانب آخر، لم ويمكن القول أن النساء لم يكنّ ممثلات في عملية إعداد الخطة، خاصة مع وجود فجوة كبيرة في تمثيل المرأة في القطاع العام، وهو الجهة التي أعدت ولا تزال تعمل على تنفيذ الخطة، حيث تشير مؤشرات مشاركة النساء في الحياة العامة إلى أنه لا تزال محدودة مقارنة مع الرجال على صعيد المشاركة في القطاع العام المدني، فتشكل النساء 43% من موظفي القطاع العام المدني مقارنة مع 57% للرجال، وتتجسد الفجوة عند الحديث عن الحاصلين على درجة مدير عام فأعلى فبلغت 12% للنساء مقابل 88% للرجال لنفس الفئة. وهي الفئة المنوط بها إعداد الخطط . كما أن المرأة في فلسطين تشكل 20% من إجمالي عدد أعضاء المجالس البلدية والقروية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
- الانعتاق من سيطرة الاحتلال:
يتحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية القانونية الكاملة عن تدمير قطاع غزة، وهذه المسؤولية يفترض بها أن تلخص شكل العلاقة بين الفلسطينيين والاحتلال، لا اعتباره شريكا في عملية إعادة الإعمار، إذ منحت آلية GRM الاحتلال القدرة على السيطرة على والتحكم في عملية إدخال المواد اللازمة لعملية إعادة الإعمار فمن أصل 310 شركة ناشطة في مجال المقاولات حظر الاحتلال 120 شركة من العمل عبر آلية GRM ، كما ساهمت هذه الآلية في دفع عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث جعلت السوق الإسرائيلي أهم أسواق شراء مستلزمات إعادة الإعمار، بالإضافة إلى مساهمة هذا النظام في دعم قطاعات اقتصادية أخرى للاحتلال مثل: أخرى مثل قطاع النقل والاستيراد والتصدير.
- الاتجاه نحو السوق المصري:
يسيطر الاحتلال على المعابر الحدودية مع قطاع غزة تماما، وبذلك تصبح عملية إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة أداة ابتزاز سياسي في يد الاحتلال، في حين أن بعض التجارب في الإعمار، على سبيل المثال: عقد البرتوكول القطري – المصري لإدخال مواد الإعمار لمدينة حمد أثبتت أن بالإمكان أن تكون عملية إدخال المساعدات أكثر سرعه وأفضل تنسيقا مع السوق المصرية بالمقارنة مع المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال، حيث يمكن تعميم تجربة بناء مدينة حمد على عملية إعادة الإعمار القطاع بأكمله.
- سياسات مالية ضريبية لا تعزز عملية إعادة الإعمار:
ساهمت السياسات الضريبية للسلطة الوطنية الفلسطينية في إبطاء عملية إعادة الإعمار، حيث يفترض بأن عملية إعادة الإعمار تمول عبر منح دولية غير خاضعة للضريبة، وفي العادة تقوم السلطة الفلسطينية بمنح المقاولين المساهمين في عملية إعادة الإعمار إرجاعا ضريبيا بمقدار الضريبة التي قام المقاولون بدفعها في تنفيذ أنشطة عملية إعادة الإعمار، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن الإرجاعات الضريبية قد تراكمت على المقاولين لتصل إلى 200 مليون شيكل.
لقد أدى الانقسام إلى إجبار الشركات العاملة في مجال إعادة الإعمار إلى دفع الضرائب مرتين، الأولى لوزارة المالية في قطاع غزة، والثانية لوزارة المالية في الضفة الغربية مما تسبب بخسائر بالغة لهذه الشركات
كما أن انهيار صرف الدولار عام 2007 مقابل الشيكل، قد سبب للشركات العاملة في مجال إعادة الإعمار خسائر قدرت ب 40 مليون دولار، حيث لم يتم إقرار أي سياسية مالية لمواجهة هذه الحالات في عملية إعادة الإعمار، على الرغم من تثبيت سعر الصرف في العطاءات الحكومية في الضفة الغربية.
لقد أدى عدم انتظام دفعات التعويضات المقدمة للقطاع الاقتصادي في قطاع غزة، والذي يفترض به أنه أهم المساهمين في عملية إعادة الإعمار، حيث يشير الاتحاد العام للمقاولين في قطاع غزة أن خسائر هذا القطاع التي لم يتم تعويضها قد تجاوزت 60 مليون دولار
- المساءلة ومكافحة الفساد:
إن الغياب الفعلي لوجود الأجهزة الرسمية التابعة للحكومة الفلسطينية الموكل إليها مهام مكافحة الفساد مثل : " نيابة مكافحة الفساد، هيئة مكافحة جرائم الفساد، ديوان الرقابة المالية والإدارية " أدى بشكل واضح إلى انتشار ممارسات غير نزيهة في إدارة عملية إعادة الإعمار من جانب المؤسسات العامة، والمنظمات الأممية، كما أن هذا الفراغ أدى إلى عدم تمكن أصحاب المصلحة من ممارسة حقهم في الرقابة، والمساءلة المجتمعية.