من أين تأتي تلك القدرة لابن وطني على إنتعال أحلامي؟ كيف له أن يدوس على سنوات عمري بحذاء حماقاته التي لا تنتهي! كيف لي بعد اليوم أن أفرق بينه وبين عدو يحتفظ بي وبحريتي في زنازينه؟
ربما هذا ما يفكر فيه الأسير مصطفى السخل الذي توفي والده إثر جلطة قلبية جراء إعتقال الأجهزة الأمنية لنجله دون وجه حق. يتعذب وحده بين جدران سجنه بتلك الأسئلة ولا يستطيع أن ينظر إلى سيد كونه وأبيه لآخر مرة بعدما مات مقهورا على إبنه الذي إعتقله جهاز المخابرات وأخذ يبعثر في فضاء خوفه عليه الكثير من الرصاص الذي طالما وفره عندما كان يدخل قطعان المستوطنين وأعضاء الكنيست المتشددين إلى مدننا ويغتصبون ليلها على مرآى من نفس الأجهزة التي تعتقل أبناء شعبنا ولا تحترم التاريخ النضالي للعائلات الفلسطينية.
بنفس الفظاعة دائما يأتون لإعتقال أبناء شعبهم، يذكرونني بوحدات نحشون ومتسادا الصهيونية التي تقتحم غرف الأسرى في سجون الإحتلال، بعيدا عن الأدب في التعامل أثناء الإعتقال وتقديم ما هو قانوني كمبرر، يتساقط الكبار في السن مغشيا عليهم خوفا على مصير أبنائهم، فالحاج سعدي السخل أصيب بجلطة قلبية عندما رأى نجله يُعتقل أمام عينه ولا يدري أين وجهة الرصاص الخارج من بنادق أفراد الأمن، وكأن قلبه مل من تكرار ذات المشهد فقرر أن يستريح.
يموت الأب داخل مقر جهاز المخابرات، وفورا يُطلق سراح أنور الذي أعتقلوه ليكون هذا أكبر دليل على عدم وجود شيء يستدعي الإعتقال.
الأمر ذاته حصل سابقا مع والدة الأسير طارق سمحان التي غابت عن الوعي عندما رأت نجلها أحمد في المحكمة وقد تغيرت ملامحه نتيجة التعذيب في سجون الأمن الوقائي.
على الهامش، قرأت إحصائية اليوم بأن هناك 118 حالة إستدعاء وإعتقال سياسي في الضفة الغربية خلال أسبوعين، لو تحرك هؤلاء وأصدقائهم وأقاربهم ونظموا الإعتصامات والمظاهرات لشكلوا وسيلة ضغط كبيرة على السلطة من شأنها أن تثير ضجة وتُلقي الضوء على معانتهم، ويجب أن نُدرك بأنه إن بقي هذا الركود في التصدي للإعتقالات السياسية ماثلا في عقول أبناء شعبنا وإن ظل شبابنا رهن قبول الإستدعاءات فلن تنتهي قضيتهم. وعلى رأي مالكوم إكس" الحق لا يُعطى لمن يُسكت عنه وعلى المرء أن يُحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد".
أمن السلطة هو أمن كل شيء إلا أمن المواطن الفلسطيني، أمن الأجانب الذين يأتون للإستجمام في شمس رام الله المَرضِي عنها إسرائيليا ولا تعلم الحكومة مَن منهم جاء للتضامن بصدق مع القضية الفلسطينية ومن منهم يحمل جوازا آخرا إسرائيليا وجاء لتفيذ "مهمة موساد"، خاصة أن حقل الإنفتاح في الضفة الغربية خصب وجاهز لأي غمزة من أجنبي. أمن السلطة هو أمن المستوطنات والمستوطنين الذي تُنفق عليه السلطة من المال العام أكثر من إنفاقها على قطاع التعليم كما جاء في تصريحات نبيل شعث الأخيرة.
أمن السلطة هو الأمن الذي فُرضَ لتأمين دخول لوحة بيكاسو إلى رام الله والذي كلف ما يقارب الثلاثة ملايين دولار ولم يُفرض لتأمين حماية لعائلات الأسرى المحررين وللفقراء من أبناء القرى الذين يواجهون هجمات المستوطنين بعصا حقدهم وجزرة منع السلطة لهم من إستخدام السلاح في وجه عدوهم.
لن نستغرب اعتقال عامة الناس من مؤيدي الحركات الإسلامية وكل من يشتمون رائحة إنتمائه للوطن من الحركات اليسارية أو اليمينية أو حتى المستقلين، فالسلطة غير معنية بأي ثقافة تودي بالشعب نحو المقاومة وإلا لماذا يتم إقصاء الأسرى المحررين من وظائف حكومية كوظيفة "حرس الرئاسة" وكأن نضال الفلسطيني صار نقطة سوداء في سيرته الذاتية.