رام الله - خاص قدس الإخبارية: فتحَ إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية إلى أجل غير معلوم والدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ الباب واسعاً أمام السيناريوهات المتوقعة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وتلتف حالة من الغموض حول مصير المشهد السياسي الفلسطيني خلال الفترة المقبلة بعد وقف العملية الانتخابية رسمياً، وكذلك حول الدوافع والاتجاهات التي ستسلكها الفصائل الفلسطينية، لا سيما حركتا فتح وحماس أبرز اللاعبين في المشهد السياسي.
ففي الوقت الذي ترى فيه حركة فتح أن تأجيل الانتخابات جاء بسبب الرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات في القدس المحتلة؛ ترى الفصائل الأخرى، أو تلك المعارضة لها، أن ما جرى هروبٌ من نتائج الانتخابات في ظل الخشية من خسارة مدوية.
ويتفق بعض المختصين في الشأن السياسي على أن ملف القدس ليس السبب الرئيسي وراء تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر عقدها في 22 مايو المقبل، وأن حركة فتح ذهبت نحو تأجيلها بسبب الصراعات الداخلية التي تعصف بها.
خطأ فادح
من جانبه، يرى رئيس مركز مسارات للدراسات والأبحاث الاستراتيجية هاني المصري، أن تأجيل الانتخابات خطأ فادح، لأن الانتخابات كانت فرصة مهمة لتعبير الشعب الفلسطيني عن خياراته والبدء في عملية من الممكن أن تؤدي إلى إنهاء الانقسام وتغيير المسار وإعادة بناء منظمة التحرير.
ويقول المصري لـ "شبكة قدس"، إن ما جرى قد يدفع نحو الذهاب لسيناريوهات سيئة تتمثل في ترسيخ الانفصال والانقسام بين الضفة المحتلة وقطاع غزة، وعودة التحريض المتبادل والتراشق الإعلامي والسياسي بين فتح وحماس وبقية الفصائل.
ويضيف: "هناك سيناريو آخر يتمثل في إمكانية وجود خطة إنقاذ شاملة وليس حكومة وحدة وطنية كما يتم الحديث حالياً، والتي يراد من خلالها التغطية على قرار تأجيل الانتخابات التشريعية"، مردفاً: "يجب أن تشمل الخطة ترتيب البيت الفلسطيني، وتعزيز الوحدة، وتحقيق الشراكة في اتخاذ القرار وبناء المؤسسات".
ويعتبر المصري أن تشكيل حكومة وحدة وطنية سيواجَه بمشاكل مع المعظم الفلسطيني، نتيجة لحديث الرئيس عباس أن الحكومة ستعترف بالاتفاقيات مع الاحتلال، مستكملاً: "كانت هناك تجربة وقف العمل بالاتفاقيات مع الاحتلال، وتم الحديث أن العودة للعمل بها جاءت بعد رسالة إسرائيلية تؤكد التزامهم بهذه الاتفاقيات، فالأصل أن يُصار إلى تعليق العمل بها كردٍّ على تعطيل الانتخابات في القدس".
ويرى المصري أن الجميع لم يحقق مكاسب من جولة الانتخابات الحالية، بما في ذلك حركة فتح التي تجنبت نتائج الانتخابات التشريعية، مردفاً: "حركة فتح بهذه الخطوة أثبتت أنها أكثر ارتهاناً للاحتلال وقراراته".
خطوة متوقعة
من ناحيته، يصف الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، خطوة تأجيل الانتخابات التشريعية بالمتوقعة على صعيد الجماهير والمراقبين للشأن السياسي، إذ ارتفعت توقعات التأجيل في الأسبوع الأخير بشكل كبير، بعدما كانت في السابق لا تتعدى 50%.
ويعتبر عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن سبب التأجيل يتمثل في عدم استعداد فتح للذهاب للانتخابات، وعدم قبولها حتى اللحظة بوجود تعددية تنافسية حقيقة، إلى جانب عدم وصولها إلى مرحلة تغيير الدور الوظيفي لجسم السلطة مع الاحتلال، والرغبة في التحكم بالقرار الفلسطيني، حسب قوله.
ويردف: "الجميع خرج مهزوما من هذه الجولة، لأننا سنعود للانقسام، ولأن الجميع لن يتعامل مع الحلول التي ستطرحها حركة فتح بجدية ونوايا طيبة، أما من ناحية المكاسب فيمكن القول إن حركة حماس حققت مكسباً تكتيكياً أثبتت من خلاله جاهزيتها الدبلوماسية والإعلامية للانتخابات".
ويتابع عرابي قائلاً: "حماس وافقت على الذهاب نحو الانتخابات بشروط فتح ولم تقدم أي مطالب، ووافقت على التتابع وليس التزامن، وتعاملت مع ضغوط بعض الدول الوسيطة ووافقت عليها وبات عليها أن تنقل لهذه الدول أن موقفها لم يكن السبب في السابق في تعطيل الانتخابات".
ويوضح الكاتب والمحلل السياسي أن اشتراط الرئيس التزامَ الحكومة المقبلة المزمع تشكيلها بالاعتراف بالاتفاقيات الموقعة يعكس أن فتح لم تكن جدية في مسار الانتخابات والمصالحة، ويؤكد أنها غير جادة في تغيير شكل العلاقة مع الاحتلال.
وعن السيناريوهات المتوقعة، يعلق عرابي قائلاً: "الأمل ألا ينزلق أحد إلى مربع المناكفات والمهاترات من جديد، رغم أن ذلك بدأ من خلال توجيه اتهامات لحركة حماس بأنها تريد التنازل عن القدس، وأعتقد أن على حماس ألا تنزلق إلى مربع المناكفات وأن تعبر عن موقفها بشكل محدد دون تبادل للاتهامات".
قرار مؤسف
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة، إن قرار تأجيل الانتخابات التشريعية مؤسف ومزعج.
ويضيف أبو سعدة لـ "شبكة قدس": "لا أعتقد أن ملف القدس هو السبب الرئيسي وراء التأجيل، فالأمر يتعلق بالخلافات الداخلية في حركة فتح ووجود 3 قوائم محسوبة عليها، والخشية من عدم حصول القائمة الرسمية على عدد مقاعد كبير يتناسب وطموحات القيادة الحالية".
ويردف: "الأمر محزن، فمتى يمكن التوافق مجددا على موعد جديد للانتخابات، فقد استغرق الأمر 14 سنة من الانقسام للخروج من الأزمة الداخلية والتوافق على موعد لعقد الانتخابات، ثم تم تأجيلها".
ويرى أبو سعدة أن التداعيات ستتمثل باستمرار الانقسام السياسي، واستمرار أزمات غزة المتتالية مثل الحصار والإغلاق والفقر والبطالة، إضافة إلى بقاء الكثير من القضايا التي تم ترحيلها إلى مرحلة ما بعد الانتخابات عالقة دون أي جديد.
ويشدد أستاذ العلوم السياسية على أن ما جرى يخدم الاحتلال كونه معنيا باستمرار الانقسام وعدم تحقيق الوحدة الوطنية، لافتاً إلى أن الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية هو سيناريو لن يكتب له النجاح.
ويتابع قائلاً: "موضوع حكومة الوحدة الوطنية فاشل، وسبق وأن تمت تجربته عدة مرات ولم يحقق أي نتيجة، فحماس لن تكون جزءًا من هذه الحكومة، وأطراف كثيرة لن تكون جزءًا من هذه الحكومة كذلك"، مستائلاً: "كيف لحكومة تلتزم بالاتفاقيات الدولية وتعترف بالاحتلال وتنبذ ما يسمى بالإرهاب أن تشارك بها القوى الكبرى مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية".
القدس ليست شكلية
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم أن القدس ليست مسألة شكلية أو رمزية، وكسر الحلقة الإسرائيلية على القدس الموحدة ليس مسألة صغيرة.
ويستدرك سويلم في حديثه لـ "شبكة قدس": "في خلفية قرار التأجيل هناك أشياء ذات طابع فئوي ومصلحي، فبعض من يطالبون بالتأجيل خائفون على مصالحهم ومراكزهم، والبعض الآخر خائف من عدم هيمنته على النظام السياسي، حتى بعض الرافضين للتأجيل يريدون الهيمنة على قطاع غزة".
ويكمل قائلاً: "إذا كان لا بد من التأجيل أو خوض الانتخابات فالأصل أن تكون هناك مسألتان؛ الأولى ألا يتم تكريس الهيمنة للقدس، وألا يؤدي الخلاف إلى مزيد من التصدعات في الجسم الفلسطيني، بمعنى أن تمتلك الفصائل لغة الحوار البعيد عن الاتهامات والمناكفات الفارغة، والثانية؛ الذهاب نحو حوار وطني جاد وأن نبدأ من مجلس وطني تمثيلي حقيقي وإعادة بناء منظمة التحرير ثم الذهاب للانتخابات الرئاسية ثم المجلس التشريعي".
وبشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، علق سويلم قائلاً: "هذه التجربة قد تعيد استنساخ التجارب السابقة إذا لم يتم فتح حوار جاد بين القوى كافة قبل تشكيل الحكومة، على أن يتم تحديد شكل السلطات والفصل بين المجلس التشريعي والوطني".