في الوقت الذي كانت تقدّم فيه سفارة الإمارات، على صفحات "تويتر"، تهنئتها لدولة الاحتلال، بـ"استقلالها"، كان آلاف الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب، يمثلون ثلاثة وأحيانًا أربعة أجيال فلسطينية منذ النكبة إلى اليوم، يعودون لساعات معدودة إلى قراهم الأصلية التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية في حرب النكبة عام 1948.
آلاف المهجرين في الداخل الفلسطيني، ممن يعتبرهم الاحتلال في أحد أبشع قوانين العنصرية والتطهير العرقي، غائبين عن الوطن وعن أملاكهم، على الرغم من بقائهم على أرض الوطن في القرى والبلدات المجاورة التي صمدت على الرغم من حرب التطهير العرقي في النكبة، وعلى أرضها بقي ما لا يزيد عن 180 ألف فلسطيني، كانوا شوكة في حلق الاحتلال ودولته، وتحوّلوا إلى الدليل الحي الباقي شاهدًا على جرائم النكبة.
منذ 24 عامًا، تنظّم جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في الداخل، مسيرة عودة سنوية إلى ما تبقّى من القرى المهجرة، تحوّلت إلى عنوان وأيقونة في حفظ الذاكرة الفلسطينية وسردها على مسامع الأحفاد ممن بقوا ونجوا من القتل والتطهير، وعاشوا سبعة عقود على مرمى حجر من قراهم وبيوتهم وحقولهم المغتصبة.
إلى حطين توافد المئات، ومثلهم إلى صفورية واللجون والدامون، وعشرات القرى، في يوم حوّله الفلسطينيون في الداخل، من "يوم استقلال إسرائيل" إلى يوم فلسطيني بامتياز يؤكد الرواية. وعلى الرغم من أن دولة الاحتلال تعلن نفسها دولة علمانية وغربية، إلا أنها لتأصل أساطير التوراة في فكر الحركة الصهيونية، تحيي ذكرى تأسيسها على أنقاض الشعب الفلسطيني وفق التقويم العبري وليس وفق التقييم الغربي الذي أعلن فيه دافيد بن غوريون عن "قيام دولة يهودية على أرض إسرائيل، هي دولة إسرائيل" في 14 مايو/ أيار 1948.
يحوّل الفلسطينيون في الداخل الموعد السنوي بالتقييم العبري، لـ"قيام دولة إسرائيل"، إلى اعتباره يوم النكبة ليرسخوا بقاء الرواية وإعادة فصولها لجوهرها الحقيقي وبُعدها الأصلي، بأنها حرب تطهير وطرد وترحيل واستعمار إحلالي، لا يمكن محوه أو مسح نتائجها بعبارات دبلوماسية واتفاقيات جزئية تبحث عن حلول سحرية، تتحايل على التاريخ وعلى الذاكرة، بصياغات وتسويات على أساس التعويض المالي أو العودة الجزئية لمن يريد، وتتجاهل المهجرين واللاجئين في داخل الوطن.
مسيرات العودة الفلسطينية في الداخل في كل عام هي الشمعة التي تضيء عتمة النكبة المستمرة، وتوضح البوصلة وتكذّب مقولة الصهيونية بأن الكبار سيموتون والصغار سينسون.
المصدر: العربي الجديد