عندما نقول "يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا" نقصد تهجير ما يقارب المليون فلسطيني من ديارهم واقتلاع وتدمير 560 قرية والسطو على أراضيها، وإفراغ المدن التي شكلت قلب فلسطين النابض بالحياة، في حيفا ويافا واللد والرملة وطبريا وصفد وبيسان من أهلها، وإحلال مهاجرين يهود في بيوتهم العامرة، وارتكاب عشرات المذابح من دير ياسين إلى اللد وعيلبون وبشكل ممنهج ومدروس، لدب الذعر في نفوس الأهالي وتنفيذ سياسة التطهير العرقي.
عندما نقول "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" نقصد بناء كيانهم الاستعماري الاستيطاني على أنقاض شعبنا الفلسطيني، الذي ما زال ينازع بعد 73 عاما على النكبة وفي مختلف المواقع، على وجوده الوطني، في وجه محاولات الإبادة المتواصلة المتمثلة بالحصار والإخضاع وتقطيع الأوصال والضبط والسيطرة على مجاله الحيوي.
بعد 73 عاما ما زال "المخفي أعظم" من أرشيفهم الدموي الذي يضم تفاصيل ووقائع وصور لهذه المذابح، بينها دير ياسين وكفر قاسم وغيرها، ترفض المؤسسة الإسرائيلية الكشف عنها أمام الباحثين، بعد موجة المؤرخين الجدد التي ظهرت عند الإفراج عن جزء من الوثائق التاريخية الصهيونية بمرور خمسين عاما على أحداث النكبة.
مؤخرا، استعرض الكاتب الإسرائيلي، عوفر أديرت، في مقال نشرته "هآرتس"، جزءا من مذكرات نحمان نير، الذي كان قائد كتيبة في لواء غفعاتي، وشارك في المواجهة العسكرية التي دارت مع إحدى وحدات الجيش المصري، كان بين صفوفها جمال عبد الناصر، في بلدة الفالوجة، جنوبي فلسطين.
وينقل الكاتب عن نير واقعة قيام وحدة غفعاتي، التي كان يقودها، بعملية انتقامية في قرية الفالوجة، بعد مقتل سبعة من جنودهم بنيران صديقة، عن طريق الخطأ، في قافلة كانت متوجهة إلى كيبوتسي "غات" و"جلئون" المحاصرين من قبل القوات المصرية، حيث يقول إنه "جرى اقتحام مركز بلدة الفالوجة وسط إطلاق نار عشوائي من مختلف الأسلحة التي كانت بحوزتنا، ثم جرى تلغيم مبنى البلدية وعدد من البيوت وتفجيرها، الأمر الذي دب الهلع في نفوس السكان وأدى إلى نزوح غالبيتهم عن البلدة".
وتشير المصادر إلى أنه في 14 آذار/ مارس 1948 في الساعة السابعة صباحا، اخترقت قافلة عسكرية صهيونية الشارع الرئيسي لبلدة الفالوجة، وهي تطلق النار في جميع الاتجاهات، ثم قام بعض أفرادها، تحت الستار الناري، بزرع 100 كيلوغرام من المتفجرات في مبنى البلدية و150 كيلوغراما في سلسلة حوانيت و75 كيلوغراما في مقهى وبيوت مجاورة له، وبعد أن غادرت القافلة المكان، قامت بتفجير الألغام عن بُعد، ما تسبب بتدمير الشارع الرئيسي للبلدة بالكامل، وقتل 15 شخصا على الأقل.
وللتنويه، فإن تفجير بيوت القرية ومحلاتها، وقتل هذا العدد من سكانها، تم انتقاما لمقتل سبعة جنود صهاينة، قتلوا بنيران رفاقهم وليس بنيران فلسطينية أو عربية، ما يشير إلى النوايا المبيتة باستغلال أي حدث لتنفيذ المجازر بحق السكان بهدف ترويعهم ودفعهم إلى النزوح عن بيوتهم وقراهم، كما حدث في غالبية القرى والمدن الفلسطينية، حيث تم استعمال القتل والترويع كسياسة لتنفيذ التطهير العرقي.
التطهير العرقي الذي يقول عنه المؤرخ إيلان بابه إنه جرى وفق مخطط مدروس، وقف على رأسه زعيم الحركة الصهيونية دون منازع، دافيد بن غوريون، ومجموعة مستشاريه، بينهم يغئال ألون ويتسحاك ساديه، وصولا إلى الضباط وقادة المناطق، مثل موشيه كالمان الذي طهر منطقة صفد، وموشيه كرمل، الذي اقتلع معظم سكان الجليل، ويتسحاك رابين، الذي نشط في اللد والرملة، وشمعون أفيدان، الذي طهر المناطق الجنوبية، والذي قال عنه زميله رحبعام زئيفي إنه طهر عشرات القرى، ويتسحاك بونداك، الذي أخبر صحيفة "هآرتس" عام 2004 أنه "كان في الجبهة الجنوبية 200 قرية أزيلت جميعها"، وأنه "كان لا بد من تدميرها كي لا يبقي في الجنوب عربا مثلما بقي في الشمال".
المصدر: عرب 48