مخطئ من يعتقد أن الفوضوية التي تعانيها وزارة الصحة هي عبثية وناجمة عن قصور إداري أو إهمال في المتابعة أو بسبب نوع من أنواع القصور..
إنها سياسة ممنهجة مرسومة بدقة كي تبقى هذه الوزارة بائسة في نظر الناس، توجه إليها الانتقادات، لكن تغمض عما يجري في داخلها العيون، يلتهي الجمهور بقصص فوضويتها، أو الحكايات التنمرية التي تستهدف وزيرتها، وتصبح بذلك حكاية شعبية يتناقلها الناس في بيوتهم ولا يعلمون حقيقة ما الذي يجري فيها.
وزارة الصحة هي وزارة الأمن المالي الفلسطيني في هذه الظروف الطارئة، وزارة توجه إليها كل المساعدات التي تقدم من قبل المانحين الفلسطينيين الدوليين إلى الجهات المتبرعة، لا أحد يعلم كم يدخل على اسمها وكم يخرج منها.
من منكم يعرف ماذا قدم صندوق عز لوزارة الصحة؟ كم يصرف في موازنة وزارة الصحة؟ ماذا قدم المجتمع الدولي للوزارة من مساعدات من بداية كورونا ولغاية اليوم؟ بعد ذلك من يعرف منكم أين صرفت هذه المبالغ؟ هل دخلت إلى الخزينة العامة؟ هل قدمت منح البنوك وآخرها مليون شاقل ثمن سيارات إلى وزارة المالية مباشرة أم قدمت إلى وزارة الصحة؟ هل هناك حاجة للسيارات أكثر من حاجة الوزارة إلى مضخات الأكسجين؟، لماذا لا تصدر عن وزارة المالية أية معلومات أو تقارير تتعلق بالمساعدات المالية والطبية التي تقدم إلى وزارة الصحة؟.
هل تعلمون كم مليون شاقل ستدخل الوزارة بسبب الرسوم التي فرضتها على شهادات التطعيم الممنوحة للمواطنين؟ هل تعلمون كم دخل الوزارة من رسوم فحوص المسافرين؟ هل هي وزارة جباية مالية أم تقديم خدمات؟
هل يعلم الجمهور أن أوسع خلية شراء وتوريدات تمت خلال العام المنصرم في السلطة قد تكون متعلقة بوزارة الصحة؟ من منكم قرأ يوماً تقريراً يبين حجم التوريدات والعطاءات التي تتم للوزارة؟ من هي الشركات الموردة؟ كم كلفتنا كورونا لغاية اليوم؟ كم دخل علينا أموال بسببها وكم صرفنا منها؟.
وزارة الصحة ليست مؤسسة تائهة تتراشقها أمواج الفوضى، إنها أهم مؤسسة تقف على رأس عملها الفعلي أعتى هيئة سياسية فلسطينية، إنها تخضع إلى إشراف اللجنة المركزية لحركة فتح بشكل مباشر من خلال اثنين من أبرز أعضائها الفاعلين، فهم من يقودون الوزارة فعلا وكل عملياتها الحيوية، والوزيرة ليست سوى واجهة ديكورية تتلقى الصدمات المجتمعية، فهي عرضة للنقد والتنمر والسخرية منذ عام ليس كونها امرأة بل بسبب فشلها، وهي تتحمل كل ذلك مكتفية بأن تبقى تحمل لقب وزيرة، وتنافس في الخروج على الإعلام، وتغضب إن نافسها أي موظف.
أما القيادة الحقيقية فهي تعمل بالظل، لا ذكر لهم في وسائل الإعلام، وقراراتهم يتلقونها مباشرة من قبل رئيس الوزراء، ويعلمون الوزيرة أنهم اتفقوا على هذه القرارات وهي تبارك، ولا وظيفة حقيقية لها، ولا تعلم ما يجري في داخل الوزارة.
التصريح المخجل لرئيس الوزراء المتعلق بتطعيمات العمال خلف الحواجز الإسرائيلية أثبت أن رئيس الوزراء لا يعلم أية معلومات دقيقة بشأن شراء التطعيمات، والصفقات والتوريدات التي تتم داخل وزارة الصحة لدرجة اعتقد أن وزارته طعمت 105 آلاف عامل يعملون في داخل المشاريع الإسرائيلية، وبالتالي فإن هذه الفوضى والعبثية التي تعاينها الوزارة هي عمل ممنهج مدروس محسوب النتائج، لكن النتائج وما يرافقها من شبهات بسوء العمل، وتسجيل حالات فيها فساد جاءت هذه المرة على حساب صحة المواطن ومعاناته ومئات الأرواح التي أزهقت بسبب وباء كورونا.
هناك فرق بين الطواقم الطبية الصحية العاملة في الوزارة والتي أصلي شكراً وتقديراً لها، وبين العمل الإداري العبثي الفوضوي الممنهج الذي تعمل به الوزارة.. هذا العمل الممنهج جعل الفوضى تحل بكل دوائر الصحة.
أتحدى وزارة الصحة أن تنشر قائمة على موقعها بكل اللقاحات التي توزعت، وأن تنشر قائمة بمن تلقوا هذه اللقاحات.
أتحدى وزارة الصحة أن تثبت أنه لم يحصل بعض النافذين على حصة ما من اللقاحات.
أتحدى أن تثبتوا أن اللقاحات المسربة لم تبع إلى عصابات مرتبطة ببعض مراكز "كوبات حوليم" في "إسرائيل"، ومن ثم يعاد بيعها إلى محتاج فلسطيني بقيمة قد تصل إلى ألف دولار، ليخرج صبية يتباهون بأنهم قادرون على الحصول على اللقاحات من الداخل.. نعم هذه هي طريقة تسريب لقاحات وزارة الصحة الإسرائيلية الفلته إلى المواطن الفلسطيني إن كنتم لا تعرفونها.
أعرف أني غاضب جداً في مقالتي هذه على وزارتكم وعلى أدائها، لكني عاهدت الله أن اخبركم بها وأن أخبر كل الناس إن عدت اليوم عن أبواب موت كورونا الذي ألم بي على مدار أسبوعين..
لقد شاهدت بين براثن الموت كرامة لم أشاهدها في وطني، وصمتي هو خدعة لله، ووعدته لن أخدعه، وها أنا أقول الحقيقة، بعد أن تيقنت أن الموت بكورونا ليس أمرا محتما للمريض مهما بلغت شدة إصابته، نعم الأعمار بيد الله وحده، لكن العلاج بيد الطواقم الطبية التي يمكنها أن تفعل الكثير لو اجتثثتم كل مظاهر الفساد والتسيب في وزارة الصحة.
يا سادة هذا الوطن، يا من سيدتم أنفسكم بأنفسكم علينا، واعتبرتمونا عبيدا في مزرعتكم أقول لكم: وزارة الصحة ليست ملحقا بلجنتكم المركزية، وهي ليست مرفقا تجاريا لتشاركونها الأرباح. إنها الملجأ الآمن لكل فلسطيني، ويجب أن تتحرر اليوم قبل الغد من كل مظاهر وشبهات الفساد والتسيب فيها.
يجب أن تعود وزيرة الصحة بكل تقدير إلى شخصها الكريم إلى منزلها اليوم قبل الغد. يجب أن تكف اللجنة المركزية عن سطوتها على وزارة الصحة من خلال أبناء المسؤولين.
يجب أن ينشر ديوان الرقابة المالية والإدارية اعتبارا من يوم غد كل موظفيه في كل دوائر وزارة الصحة، ويدقق بكل ورقة ورقة. يدقق بقلوب وعقول مفتوحة وليس بصحة الإجراءات، فالفساد مقونن في بلادنا ولا تحميه التعليمات.
لا يمكن لوزير صحة أن يدير هذه الوزارة بمفرده الآن.. فقط شكلوا لجنة طوارئ طبية مهنية من كفاءات طبية فاعلة تتولى مهمة إدارة الوزارة وإعادة إحيائها، وكفوا يد الحكومة عنها، دعوا اللجنة تكمل مهمتها بهدوء، والحكومة عليها فقط أن تقدم ما تحتاج إليه الوزارة من دعم وإسناد..
أتحدى إن فعلتم ذلك سنكون خلال أسبوع واحد فقط أمام وزارة صحة قادرة على حماية صحتنا.. صحتنا ليس للنهب .. صحتنا هي أجسادنا، وأجسادنا هي حاضنة كرامتنا، ولن تمسوا كرامتنا.. وإن كان لا يليق بكم خطابنا ولن تستمعوا إليه أعيدونا إلى الموت ثانية، أو رشونا بمبيدات حشرية، فقد كرهنا العبودية.
المصدر: زوايا