عُدنا للمربع الأول دون تحقيق أيّ نتائج إلا زيادة بأعداد الإصابات وكارثة اقتصادية تحِلّ بالوطن وخاصة بيت لحم التي تعتمد على القطاع السياحي بشكل كامل.. قِطاعٌ توقف عن العمل لأكثر من عام وعجلة اقتصادية متوقفة بشكلٍ كامل وغياب لدور الحكومة على شتى الأصعدة، تمخض عنها فقط صندوق وقفة عز الذي اعتمد بشكل كامل على القطاع الخاص، هذا القطاع الذي أنهى عقود أغلب الموظفين والعُمال! حكومة تُذكرنا بصورة القردة الثلاثة ولكن مع تغيّر الأخرس، لم نأخذ منها إلا الوعود والكلام والعبارات الرنانة حتى أثبتت فشلها على مدار عام كامل في إدارة أزمة تعرّض لها العالم أجمع، فالفرق بين حكومات العالم وحكومتنا أن الحكومات عوضت شعوبها وحاسبت من أخطأ وشكرت من عمِل وكرّمت من أنجز وقَسَت على من تجاوز حدوده لحد الفساد، إلا أنّ حكومتنا تشكر وتكرّم ولا تُحاسب إلا بالعبارات الرنانة وتغضّ البصر عن جميع أخطاء وزرائها وأفرادها.
بيت لحم أُنهكت، هذه المدينة التي تمثّل نافذة فلسطين على العالم تموت كلّ يوم، والعنقود السياحي الذي تباهت به الحكومة أصبحَ في عداد الموتى؛ لم تمرّ المدينة بهذه الحالة أبداً على مرّ تاريخها.
صحيح أنّ العالم كلّه تضرر، ولكن الحكومات ساعدت شعبها وقطاعاتها على الاستمرار، منعته من الانهيار، أما حكومتنا فغطّت عينيها، وأصمّت أذنيها، وربطت لسانها وتركت بيت لحم تصارع لوحدها، أعطت من الوعودات كثيراً، ويا ليتها لم تفعل، نعم، يا ليتها لم تفعل، لأننا لم نشهد أيّ تنفيذ لهذه الوعودات، بل استمرت الحكومة في فرض الضرائب التي أوصلت العاملين في هذا القطاع إلى الإفلاس، والبنوك من جانبها لم ترحم.
حكومة وزّعت فشلها على كثيرين، تارة على الشعب الذي تستمر بانتقاده لعدم الالتزام، وتارة على الاحتلال، وعلى الشركة المصنّعة للقاح، وعلى المطارات والجسور المغلقة، وعلى الدول، على كل شيء تستطيع تحميله مسؤولية الفشل، ما عدا ذاتها طبعاً، فهي حكومة لا تُخطئ، أبداً.
حكومة لم تعرف إلا التصريحات والخطابات الرنانة، وفي هذه فشلت فشلاً ذريعاً أيضاً، تصريحاتها متناقضة، ووصلت حتى التضليل، أرقامها خاطئة، وبياناتها مستقاة من واقع لا يمتّ لواقعنا بصلة، كل ذلك من أجل تغطية فشلها، وفشل وزرائها.
حتى قراراتها لا تتعدّى الحبر الذي طُبِعَت فيه، ومكانها هو الأرشيف الذي سيخجل منه أبناؤنا في المستقبل، أذكر على سبيل المثال موضوع إعفاء المحطات المحلية من رسوم التراخيص السنوية، فقد قررت الحكومة، بعد مناشدات كثيرة، إعفاء المحطات المحلية من الرسوم السنوية لدعمها في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهلّلت الحكومة حينها بهذا القرار، إلا أنّه بعد مراجعتنا لوزارة الاتصالات تبيّن أنّه لا وجود لأية إعفاءات تُذكر، كذلك الأمر بالنسبة للتسهيلات وتأجيل القروض للمواطنين، فالحكومة في واد والبنوك في واد آخر، وتبيّن فعلاً أنّ البنوك هي الحكومة التي تحكم على أرض الواقع وقرارات الحكومة لا تلقى آذانا صاغية، لا بل لا ترى البنوك أيّ حكومة أمامها سوى ذاتها ورأس مالها.
أما في جانب اللقاحات، أذكر هنا قضية أُثيرت قبل خمسة أيام في إسبانيا عندما زارت ابنتا الملك السابق والدهما في أبو ظبي، وتمّ تطعيمهما عند الدخول إلى الإمارات، فقامت القيامة في إسبانيا حيث إنه لا يصح تلقي أفراد العائلة الملكية، وأشدد هنا على أفراد العائلة الملكية، لا يصحّ تلقيهم اللقاح بينما لا يزال الكثير من العاملين بالقطاع الطبي والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة في إسبانيا ينتظرون التطعيم، أما في وطني الذي وصلت إليه بضعة آلاف قليلة من اللقاح، فقد حصلت عليه فئات لا أعرف مَن اختارها أو حددها، ولو حصل ذلك في دولة تحترم ذاتها لسقط نظامها السياسي فوراً.
لا أعرف كيف تشعر وزيرة الصحة عندما تسمع عن عشرات حالات الوفاة يومياً ممّن لم يُعطوا اللقاح، ولو حصلوا عليه لحصل فرقٌ كبير في أعداد الموتى، ولبَقِيَ أحباؤنا معنا؛ كيف تشعر بأنّ فريق كرة القدم أخذ اللقاح ليدخل بطولة، وموظفي لجنة الانتخابات كونهم يحضّرون لانتخابات غابت ١٦ عاماً، صحفيين ودبلوماسيين وغيرهم الكثيرين أخذوا اللقاح، بينما عائلات كثيرة فقدت أحباءها، فقدت أعز ما تملك، كيف تشعر؟ وكيف يشعر معها رئيس الوزراء وكل الوزراء مجتمعين المؤتمنين على هذا الشعب؟ بينما لو أعطي واحد من كبار السن هذا اللقاح لبقي بيننا بدلاً من مصارعة هذا الفيروس اللعين، حتى فقدان الروح.
أكدت حكومتنا أن الإنسان ليس أغلى ما نملك، وأنّ هناك الكثيرين أغلى من الإنسان، وأقل خطوة يمكن أن يقوم بها الوزراء هي "التنحي" ليحفظوا ماء وجههم أمام الشعب، وليكفروا قليلاً عن أخطائهم المستمرة، أو حتى ليقولوا.
نعود لموضوع الإغلاق، فجولة واحدة خلال الإغلاق تظهر الواسطة حتى في الإغلاق، فمحلات تُخالف ويُساق أصحابها إلى السجون، ومحلات أخرى تبقى مفتوحة وعلى أعين الجميع، ليس لعدم القدرة على إغلاقها بل لأنّ أصحابها هم من "عظام الرقبة"، الذين لا يستطيع المسؤولون تحمّل زعلهم وغضبهم.
ومع استمرار الإغلاق، خسر كثيرون مصدر رزقهم، أُغلِقت مصالح كثيرة، وانتهى "التوفير" الذي وفّرته العائلات لسنوات طويلة، وبالكاد يتوفر للكثير من العائلات "نصف ربطة خبز"، وليس ربطة كاملة، في العالم عوّضت الحكومات شعوبها، وفي وطننا عمّقت الحكومة هذه الأزمة، حتى مع "عز" الذي أخذت الحكومة أمواله من الشعب وأعادت له جزءاً منها فقط، لتُثبت فشلاً آخر حتى في التوزيع.
أما النظام التعليمي فحدّث بلا حرج، وزارة تعرف أنها فشلت في إدارة الأزمة، لكنها لا تزال تكابر، وزارة تعرف أنّ "التعليم عن بُعد" بعيدٌ جدا عن النجاح، ستكون آثاره واضحة في السنوات القادمة عندما يكبر الأطفال ونجد أن تأسيسهم كان فاشلاً، حينها ستضع الحكومة فشلها على كثيرين وليس على ذاتها طبعاً.
فقد الشعب الثقة بشكل كامل في الحكومة، ومن كان يقف ويوزع الشاي والحلوى على "حواجز المحبة" والتزم الإغلاق اليوم، لم ولن يلتزم بها لأنه وجد أن الحكومة فقط تريد السيطرة على أفراد الشعب، لا على رأس المال، فالبنوك في واد والحكومة في واد والشعب في دولة أخرى.
الحل الوحيد لهذه الحكومة إما تعديل وزاري عاجل يُسقط من أخفق في هذه الأزمة أو طريقة أخرى لإعادة الثقة بها من قِبل الشعب إن عادت .
إنّ هذا الواقع هو الذي يتحدّث فيه الشعب، في البيوت والعمل والمحلات والشوارع، والمصيبة إنْ كانت الحكومة لا تعرف هذا الواقع، أما الكارثة فهي أن تعرف هذا الواقع وتستمر به.
هل سنشهد أي تغييرات في القريب العاجل، أمّ أنّ أبيات الشعر التي قالها الشاعر عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي هي التي تطغى على واقعنا:
لقد أسمعت ولو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت، ولكن أنت تنفخ في رماد
والسلام ختام.