ثلاثة وسبعون عاماً مرت، وفي كل يوم منها حاول الغرباء قلع جذورنا الضاربة في أعماق أرضنا الفلسطينية، ولكن كانت دائماً جذورنا أقوى من محاولاتهم، وتشبثها بالأرض يزيل بقايا خرافاتهم، ومع كل ربيع أينعت هذه الجذور أغصاناً وأوراقاً، وظلت شجرتنا تكبر وتعلو، لتبقى فلسطين هي فلسطين، بالمعنى الذي قاله درويش، وسيبقى هذا المعنى يكبر حتى تمحو مياه نهر الأردن آخر أثر للقدم الهمجية، التي داست الأرض الطيبة فأفسدتها لفترة من الزمن لن تطول أكثر، فالسلام لفلسطين آت أت، بالمعاني التي غنتها السيدة فيروز.
الجماهير العربية في أم الفحم تؤكد عروبتها وفلسطينيتها، فتخرج تهتف تحت علم فلسطين، ضد محاولات الاحتلال لزرع الكراهية والفتنة في المجتمع العربي، محاولاً مرة أخرى النيل من الوحدة الفلسطينية للجماهير العربية، وربما بمحاولته تلك يحاول تسميم الجذور بعد أن عجز عن قلعها، ولكن الأرض الطيبة دائماً تلفظ خبثها وتطهر نفسها من سموم الاحتلال، ولذلك خرجت أم الفحم تتحدى إرادة المحتل وتغرس جذورها أكثر وأكثر في الأرض الطيبة، لتقهر إرادة الاحتلال كما فعلت كل مرة منذ ثلاثة وسبعين عاماً.
منذ النكبة والاحتلال يحاول محو القيم والثقافة العربية والإسلامية من عقول أبناء الداخل المحتل، ويسخر كافة أجهزته الأمنية والمدنية في سبيل سلخ هذه الجماعة عن أصولها، ليجعل منها مجرد أقلية ذائبة في المجتمع الصهيوني، ليس لها رابط من قيم أو أصول أو مبادئ تجمعها، وذلك بعد أن فشل في تهجيرها.
لم يكتف الاحتلال بالتمييز الشديد بين أهلنا في الداخل المحتل والصهاينة، من حيث الموازنات التي تصرف للتطوير والتعليم والصحة والبنية التحتية، ولم يكتف بإثارة النعرات العائلية والقبلية بين أبناء المجتمع العربي، ولكن هذه المرة يحاول إفشاء الجريمة المنظمة بين أهلنا هناك، من خلال بث الفاسدين والمرتبطين بالاحتلال لارتكاب الجرائم البشعة تحت عناوين شتى، والسكوت المدروس على هذه العصابات، محاولاً إشعال فتنة مجتمعية نارها ووقودها العصابات المجرمة التي صنعت تحت سمعه وبصره.
تحرك أم الفحم باسم الجماهير العربية إشارة على أن مجتمعنا العربي واعٍ تماماً لمخططات الاحتلال، ولن تجد هذه المحاولة البائسة من الاحتلال سوى التصدي الواعي والحكيم من جماهيرنا العربية، التي أظهرت عجز الاحتلال وأفشلت مخططاته ووضعته في زاوية الاتهام، وبينت للعالم أجمع أن ما يحدث من جرائم هو نتيجة السكوت على مرتكبيها، بل تغذية وجود هذه العصابات لتعيث فساداً في المجتمع العربي.
منذ ثمانية أسابيع مضت واحتجاجات أهلنا العرب مستمرة، وتطالب الشرطة الصهيونية أن تقوم بدورها الذي تفرضه عليها القوانين الصهيونية نفسها فضلاً عن المواثيق والشرائع الدولية، التي تلزم الاحتلال الصهيوني حماية الجماهير العربية ( كأقلية ) ورغم تحفظي الشخصي على المصطلح، فمنذ متى يكون أصحاب الدار أقلية مهما قل عددهم، والغرباء أكثرية مهما زاد عددهم، ولكن استخدام المصطلح جاء للدلالة القانونية وفقا للمواثيق الدولة فقط.
فقد نص الإعلان الاممي لحماية الأشخاص المنتمين للأقليات القومية أو الاثنية أو الدينية واللغوية الصادر عام 1992م في المادة الأولى منه على ما يلي:(على الدول أن تقوم، كل في إقليمها، بحماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الإثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وبتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية).
الاحتلال بطبيعته الإجرامية والهمجية يعمل بخلاف الإعلان الأممي تماماً، ولا يلتزمه كما هي حاله مع كل القرارات الدولية، التي يتجاهلها ويتعامل معها بمنطق أنه دولة فوق القانون، ولكن يبدو أن الظروف لم تعد مواتية للاحتلال كما كانت دائماً، ويبدو أن الأحوال تغيرت وتبدلت كتيراً عن السنوات الأولى لاحتلاله أرضنا الطيبة، وكأن الدنيا تقلب له ظهر المجن، وتعيد نظم العلاقة معه بما هو أهل له، وهو ليس أهلاً إلا للخسة والنذالة والهمجية، التي لا يقابلها إلا الحزم والقوة، ويتبدى جلياً تغير الظروف حول الاحتلال من خلال ما راكمه شعبنا من قوة صموده وتحديه، فبني قوة مقاومة يحسب لها العدو ألف حساب في جزء عزيز من الوطن، ثم استخدم شعبنا مقدراته العلمية الكبيرة إمكانيته في تسخير المكنات الدولية لمحاسبة الاحتلال قانونياً، فتحركت محكمة الجنايات الدولية مؤخراً لبدء التحقيق في جرائمه التي ارتكبها. ولذلك ألفت عناية شعبنا في الداخل المحتل على توثيق جرائم الاحتلال بحقهم، خاصة فيما يتعلق بإهدار حقوقهم التي كفلتها الشرائع الدولية والتي يمكن أن تصنف كجريمة ضد الإنسانية وفقا لميثاق روما، لاسيما المادة 7/1/ح والتي تنص على (اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3 ،أو لأسباب أخرى من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة)
ومن ثم مطالبة المدعى العام للمحكمة بفتح تحقيق مع قادة العدو لممارسته الأعمال التي حظرتها المادة السابقة وبشكل ممنهج، وبذلك تضاف إلى قوة صمودهم قوة المحكمة الجنائية الدولية التي ترعب الاحتلال.