فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: عند تصفحك لمنصة "تيك توك" قد تظهر أمامك مقاطع مصورة لجنود ومجندات إسرائيليين، أو فيديوهات للناطق باسم جيش الاحتلال منتجة بنمط "ترفيهي"، يحاول فيه الظهور بصورة القريب من الناس، في محاولة "لكسر الحاجز النفسي" مع الفلسطينيين، كما يؤكد خبراء ومختصون.
يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية، ضياء الحروب، أن جيش الاحتلال يعمل من خلال استراتيجية واحدة باتجاهين، "تثبيت صورة الجيش الذي لا يقهر ويصعب على أي أحد الانتصار عليه"، وثانياً: "تطبيع العلاقة مع وجوده في المناطق المحتلة على أساس أنه جيش عادي وليس قوة احتلال تقتل الناس وتهدم البيوت ويمارس الإذلال ورأس حربة الاستيطان".
وأضاف في حديث "لشبكة قدس"، أن جيش الاحتلال يحاول من خلال الحسابات باللغة العربية العمل لتحقيق هذه الاستراتيجية، ويقول: المسألة الأخطر هي "تطبيع العلاقات" مع الجيش، وهذا ما يحصل على منصة "التيك توك".
وقال: المشكلة ليست من الحسابات الرسمية للجيش التي قد تكون "منفرة" أو "مضحكة" للناس، وحتى التفاعل "الساخر" على هذه الحسابات مفيد للجيش ويستغله لكسر الحاجز النفسي، لكن من الحسابات غير رسمية للجنود والضباط الإسرائيليين، التي يتم من خلالها بث مقاطع على المنصة، يظهر فيها الجندي بلباسه العسكري وببندقيته داخل القاعدة العسكرية أو الشارع أو على الحاجز، ويغني أغاني شعبية أو عربية، يلتقطها الأطفال والفتية "بصورة طبيعية" لأنها موجودة في حياته اليومية، ويكون هذا الجندي بصورة "الانسان الطبيعي" رغم أنه يحمل البندقية واللباس العسكري، وأحياناً يبث المقطع من الجامعة أو منزله أو في حفلة زفاف، كي يراه المشاهدون بعيداً عن كونه يمثل مؤسسة عسكرية تحتل الأرض.
وأشار الحروب إلى المقاطع التي تنشرها مجندات من جيش الاحتلال، وقال: على منصة "انستغرام" حسابات لمجندات يسوقن السلاح المنتج في شركات الاحتلال، ويتم استغلال "جسد المرأة" و"الإيحاءات الجنسية"، ويظهرن بمنظر المرأة "القوية، والجميلة" التي تسوق السلاح.
وقال: هناك كثير مداخل ومنافذ يحاول جيش الاحتلال استغلالها بشكل رسمي أو غير رسمي، وقد يقول قائل إن "مقطع الفيديو قد يشاهده الطفل ويمر عنه ولا يوجد مبرر لتضخيم القضية"، لكن المعركة بالأساس على "الوعي" وكل تصرف للمؤسسة الصهيونية بأذرعها المختلفة يحاول "صهر الوعي" وخلق "فلسطيني جديد" يقبل بالاحتلال.
وتابع: العمل على وسائل التواصل الاجتماعي مثل "لوحة الفسيفساء" التي تتشكل من مجموعة كبيرة من الحجارة، كل حجر لوحده لا قيمة له، لكن عندما تجتمع معاً تشكل لوحة، وهذه الاستراتيجية التي تعمل من خلالها المؤسسة الصهيونية، وهي فكرة "مشهد خلف مشهد"، أو "صورة على صورة" الخ، تشكل لوحة كاملة عنوانها: "تطبيع العلاقة مع وجود كيان الاحتلال".
ويرى أن المؤسسات الإعلامية الفلسطينية والتربوية "غائبة عن القضية بشكل عام ولا تتطرق له إلا بحدود ضيقة"، وقال: الأنكى من ذلك سلوك السلطة، وهي تعمل أيضاً على تشكيل "إنسان فلسطيني جديد" مغيب تماماً عن معرفة الواقع الذي يعبث به الاحتلال، ولدينا وهم اسمه "الدولة" وتم العمل عليه من خلال المناهج، وهناك عمل على جيل كامل من خلال المناهج والسياسات داخل المؤسسات التربوية، وقمع أي مبادرة أو نشاط قد يكون في سياق الوعي والعمل مع الشباب والفتية.
وأكد الحروب أن المجتمع يجب أن يبادر للتوعية، بالشراكة بين نشطاء الفصائل والأهالي مع وسائل الإعلام الوطنية، لحماية الشباب الفلسطيني والفتيان من سياسات الاحتلال على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال: لا أفضل القمع أو منع المنصات والتطبيقات بل يجب أن نبني شخصيات واعية تواجه دعاية الاحتلال.
ويرى مدير مركز "صدى سوشال"، إياد الرفاعي، أن الاحتلال يعمل على ثلاثة مستويات عبر منصات التواصل الاجتماعي , أولها "أنسنة" ممارساته وأنشطته المتنوعة , و"إدانة ومهاجمة الفلسطينيين وأنشطتهم المختلفة" ,بالإضافة للترويج "للرواية الاسرائيلية" من خلال منظومة كاملة مختصة في الدبلوماسية الرقمية لمخاطبة مختلف شعوب العالم بما فيهم الفلسطينيين.
ويوضح أن طبيعة المستخدمين لمنصة "تيك توك" هم من المراهقين والشباب، ويضيف: يعتمد هذا التطبيق على المحتوى الصاخب والسريع والقصير، الذي يترك أثراً في اللاوعي لدى المتابعين، حيث يسعى الاحتلال عبر هذه المنصة لإظهار وجه لطيف لجنوده وجيشه نافياً بذلك الحقائق من جرائم يرتكبها بحق الفلسطينيين.
ويؤكد الرفاعي أن "التعرض المستمر لمحتوى ما عبر وسيط ثابت، من شأنه أن يخلق تغييرا على البنية الفردية للشخص، ومن ثم على المجتمع"، ويضيف: "ما يحاول الاحتلال خلقه عبر التيك توك كمثال ليس مجرد محتوى ترفيهي، إنما هو استمرار ممنهج لمساعي الاحتلال في تطبيع علاقاته مع العالم بشكل عام ومع الفلسطينيين على وجه الخصوص".
ورداً على سؤال حول دور وسائل الإعلام الفلسطينية في انتاج رواية مضادة، قال: انتاج المحتوى الهادف والدفاع عن القضية الفلسطينية عبر الفضاء الرقمي ليس حصراً على الإعلام، إنما هو مسؤولية فردية، يجب على كل الفلسطينيين من مستخدمي هذا الفضاء أن يقفوا عندها".
وحول المطلوب من المؤسسات الفلسطينية، أضاف: يجب إعادة العمل على التنشئة الوطنية السليمة للأجيال الفتية بأدوات عصرية وأساليب ذات قدرة على الانتشار والتأثير.
ويرى الرفاعي أن أكبر دليل على نجاح أذرع الاحتلال الإعلامية، "الآراء الشاذة التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي عقب التطبيع الاسرائيلي مع أنظمة في الخليج".
وحول هل خلقت وسائل التواصل الاجتماعي جيلاً جديداً في فلسطين، يقول: على مدار السنوات السابقة ,ظهرت نتائج استخدام منصات التواصل الاجتماعي، على الشباب الفلسطيني على أصعدة مختلفة، لعل أكبر مثال على التأثير الحقيقي لهذه المنصات على جيل الشباب، هو الانتفاضة الشعبية التي حدثت بين عامي 2015-2016.