رام الله - خاص قدس الإخبارية: عاد ملف غاز غزة إلى الواجهة من جديد بعد إعلان صندوق الاستثمار الفلسطيني، توقيع اتفاقية تفاهم لتطوير حقل "غزة مارين" والبنية التحتية اللازمة له، مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" قبل أيام في مدينة رام الله بحضور الرئيس محمود عباس.
واكتشف الحقل في أواخر التسعينيات، وقامت السلطة الفلسطينية عام 1999 بمنح عقد حصري لشركتي مجموعة بي جي البريطانية وشركة سي سي سي المملوكة لفلسطييين للتنقيب عن الغاز في بحر غزة.
ومع بدء عمليات البحث والتنقيب التي لم تستغرق طويلاً من قبل الشركتين المطورتين اكتشف في عام 2000 حقلين من الغاز على بعد 30 كيلومترًا من شواطئ غزة وعلى عمق 600 متر تحت سطح البحر، وأطلق على الحقل الأول اسم غزة مارين ويقع كليًا ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة مدينة غزة.
وحددت الشركة البريطانية الكمية الموجودة من الغاز في بحر غزة بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، أي ما يكفي قطاع غزة والضفة الغربية لمدة 15 عامًا، حسب معدلات الاستهلاك الحالية، وفي أبريل 2018، توصل صندوق الاستثمار الفلسطيني إلى اتفاق مع شركة النفط الأوروبية شل بشأن خروجها من رخصة تطوير حقل غزة مارين، الذي تقدر احتياطياته بترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
أدت تغريدة كتبها القيادي في حركة حماس وعضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق إلى حالة من التراشق الإعلامي بعد رد قام به رئيس هيئة الشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، ليتحول الأمر إلى سجال عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وطالب أبو مرزوق في تغريدته بالإفصاح عن مخرجات التفاهم إذ كتب قائلاً: "يجب أن تكون غزة حاضرة في أي تفاهمات حول حقول غاز شواطئها، فإذا كانت غزة مضطرة لاستيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال لمحطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، فلا يجب أن نقف متفرجين، وثرواتنا الطبيعية تذهب بعيداً".
بدوره، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي خالد أبو عامر إن ملف حقول الغاز الطبيعي في بحر غزة، هو من أعقد الملفات التي لم تستطع السلطة الفلسطينية حلها، وذلك نتيجة لتداخل بعض العوامل من بينها، افتقار السلطة لمفهوم السيادة البحرية على شواطئ غزة.
وأضاف أبو عامر لـ "شبكة قدس": "اتفاق أوسلو قيد بشكل كبير من قدرة السلطة على التحرك بمرونة إلى حدود مياهها الإقليمية، إذ يشترط الجانب الإسرائيلي بأن لا تتجاوز مساحة التحرك في هذه الشواطئ لمستوى 12 ميلا بحريا كأقصى نقطة تحرك من سواحل غزة، العامل الثاني أن اتفاق أوسلو ومسار التسوية لم يتناول حدود المناطق الاقتصادية الفلسطينية".
وأوضح أن "إسرائيل" كانت تسعى متعمدة لإفشال طلبات التفاوض على حدود المناطق الاقتصادية سواء في غزة أو الضفة، ومن جهة أخرى كانت تقوم بفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض لتثبيت قواعد لعبة تكون لصالحها في أي مفاوضات قادمة.
وتابع قائلاً:"ملف بحر غزة عاد للواجهة من جديد بعد أكثر من عقدين على اكتشافه، وهذا سؤال يحتاج إلى إظهار المتغيرات الدولية التي أدت لظهوره من جديد من بينها، تنافس دول حوض المتوسط لتقسيم حصصها من الثروات الطبيعية (غاز ونفط) في حدودها الاقتصادية البحرية، وقد أنشئ منتدى غاز شرق المتوسط بين دول الشرق الأوسط المطلة على البحر المتوسط في العام 2019، وانضمت فلسطين إليه لاحقا لتثبيت حقها كطرف في هذه المعادلة التي ترتكز على تحديد حصة الدول من ثروات الغاز في شرق المتوسط".
واعتبر أن ملف الغاز في غزة ملفا شائكا ومعقدًا وهو بمثابة (صندوق أسود)، فالسلطة رغم أنها ترفض الإفصاح عن بنود ما جرى الاتفاق عليه بين وزير الطاقة المصري طارق الملا، والشركاء المعنيين في الحقل وهم صندوق الاستثمار وشركة اتحاد المقاولين CCC، مع الشركة القابضة للغازات الطبيعية المصرية "ايجاس"، تدرك أيضا أن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه هو اتفاق شبيه باتفاق محطة توليد الكهرباء في غزة من خلال منحها عائدًا ماليا شهريا ثابتا من إيرادات الغاز المسال الذي ستشرف عليه أطراف عدة (صندوق الاستثمار كممثل للطرف الفلسطيني، وإسرائيل، ومصر والشركات لأجنبية التي ستشرف عن عمليات التنقيب والاستخراج والتسييل)، حسب قوله.
واستكمل أبو عامر: "السلطة وقعت اتفاقا يقضي ببيعها الغاز المسال من حقل غزة بسعر تفضيلي، مقابل تنازلها عن إيرادات الحقل، وهذا الأمر كان مطروحا بالنسبة للسلطة قبل سنوات، حيث كانت السلطة تفترض أن هذا الحقل لن يكون بأي شكل من الأشكال ملفا سياديا خالصا للسلطة سواء بسبب وجود حركة حماس في غزة، أو بسبب الرفض الإسرائيلي منح السلطة حقوقا في هذا الحقل".
واستطرد قائلاً: "السلطة ستقبل بأدنى وأقل العروض التي ستبقى محصورة بخيارين إما الحصول على عائد سنوي كنسبة قد لا تتجاوز 10 إلى 20% من إيرادات الحقل وهذا الأمر سيتوقف على كميات ما يتم استخراجه، أو منح السلطة سعرا تفضيليا لبيع الغاز بدلا من شرائه من الطرف الإسرائيلي وهذا ما أشار إليه حديث اشتية بأن غاز غزة سيغذي محطات الكهرباء في الضفة".
ونوه إلى أن العامل الثاني الذي قد يفشل المخطط الدولي في حال لم يلبي طموحات الفلسطينيين، هو وجود حركة حماس في غزة التي قد تربك حسابات الأطراف الدولية من خلال التهديد بقصف الحقل، ما سيتسبب في سحب المناقصات التي ستقدمها شركات دولية، ما يعني أن الاتفاق سيبقى كسابقه ذو مصير مجهول.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الاقتصادي محمد خبيصة لـ "شبكة قدس" إن حصة إيجاس (الشركة المصرية) في الحقل ستكون 45% على أن تكون نسبة صندوق الاستثمار الفلسطيني 27.5% ونسبة اتحاد المقاولين 27.5%.
وأضاف خبيصة أنه لا يوجد للاحتلال الإسرائيلي أي حصة في هذا الحقل وتم تقسيم الحصص فيه للشركات المذكورة المصرية والفلسطينية، متابعاً: "صندوق الاستثمار أرسل سفينة للتنقيب العام الماضي وأظهرت الفحوصات أن كمية الغاز المتوفرة في الحقل إيجابية".
وأشار إلى أن ما جرى هو اتفاقية تفاهم وليس اتفاقية متكاملة، حيث كان هناك اتصالات وحوارات جرت مع شركة إيجاس منذ عام توجت بمذكرة التفاهم التي جرت، لافتاً إلى عدم وجود بنود متعلقة بالتفاهمات التي جرت بين الجانبين.
وكشفت وكالة "الأناضول التركية"، صباح الأربعاء، عن وجود موافقة إسرائيلية للفلسطينيين والمصريين للاستمرار في تطوير حقل الغاز دون عرقلة العمل فيه.
ويوم الأحد الماضي، أجرى وزير البترول المصري طارق الملا، لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين يتصدرهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس رؤوفين ريفلين، وامتدت هذه الزيارة لتشمل لقاء الرئيس محمود عباس، ومسؤولين في قطاع الطاقة، أفضت إلى إعلان توقيع اتفاقية لتطوير حقل غزة مارين على البحر المتوسط.
وحقل غزة مارين هو أول حقل مكتشف للغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، تبعته اكتشافات إسرائيلية ومصرية ويونانية، غيرت خارطة توزيع الطاقة في المنطقة، ورفعت سخونة الصراعات بين عديد الدول المطلة على المتوسط، فيما يزال الحقل غير مستغل من جانب الفلسطينيين، الذين وجدوا في الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط قبل عامين، أداة ضغط جديدة -ببعد دولي- لانتزاع حق تطويره من "إسرائيل".
ولم تعلن السلطة الفلسطينية تفاصيل الاتفاقيات المتعلقة بالغاز أو الطاقة بشكلٍ علني وهو ما يفتح المجال أمام متابعي هذا الملف للحديث عن غموضه وأسباب غياب الشفافية وضرورة إطلاع الفلسطينيين على تفاصيل هذا الملف.