يقال أن المصائب والأزمات تظهر أفضل ما في البشر، ولكن في حالات كثيرة يكون العكس هو الصحيح، حيث أن المشكلات الباطنية العميقة تظهر وقت الأزمات وهذا ما يحدث الآن في "إسرائيل".
الأحداث اليومية التي نشاهدها في "المدن الإسرائيلية" وخاصة المعروفة بأكثريتها الدينية، هي تأكيد واضح على عمق الأزمة التي تعانيها هذه الدولة التي تبدو الآن أكثر انقساماً وتشتتاً، فجائحة كورونا التي خلقت أزمة اقتصادية لم تشهدها من قبل تتحول الآن بفعل الانشقاقات والتباينات العميقة في المجتمع الإسرائيلي، لحالة تجاذب شديدة وصلت ببعض الأحيان للاقتتال بالشوارع.
ووصلت حالة العداء هذه لإطلاق كلمة "نازيين" على أفراد الشرطة الإسرائيلية بشكل طبيعي وعادي، من قبل المتدينين الذين يرفضون بشدة الالتزام بالإجراءات والقوانين المتعلقة بجائحة كورونا، مما دعا البعض للذهاب لأبعد من ذلك بكثير حتى أطلق على المدن والأحياء في "إسرائيل" دولة داخل دولة.
فهم يعيشون وفق قواعد وأسس خاصة بهم، ولا يلتزمون بما يطبق على بقية الدولة، ومع مرور الوقت أصبحت لهم مؤسسات مالية ودينية واجتماعية ضخمة تفرض سطوتها وهيمنتها أكثر من سلطة الدولة.
في المقابل أيضا هناك دولة أخرى تعيش داخل هذه الدولة، وهم أيضا يتصرفون وفق مصالحهم الخاصة بعيداً عن أي قانون أو سلطة تحكمهم، ففي الضفة الغربية يقيم المستوطنون دولتهم الخاصة التي يحكمونها بأنفسهم ولا دور للحكومة الإسرائيلية إلا إرسال جيشها للدفاع عنهم بعد ارتكابهم لأي جريمة بحق الفلسطينيين.
وكذلك توفر كل الموازنات والتسهيلات الخاصة بإقامتهم على الأرض الفلسطينية، فهم لا يعترفون بسلطة أحد إلا سلطتهم الخاصة فحتى الجيش الذي يحميهم ليل نهار يهاجمونه ويعتدون على أفراده.
أما بالداخل المحتل فيعيش العرب الفلسطينيون بلا موازنات أو رعاية أو أية مقومات للحياة، وتتعمد حكومة الاحتلال تركهم لمصيرهم بل وتغذي كل مظاهر الانفلات والجريمة، من خلال غض النظر عن الكثير من عصابات الإجرام وحالات القتل والسطو المسلح والمخدرات وغيرها.
وهي لا تلتفت لأحوالهم إلا في حالات محددة إما لهدم المنازل بحجة البناء بغير ترخيص، أو عندما تقترب الانتخابات حيث تكثر زيارات قادة الأحزاب الصهيونية للمدن العربية والمختلطة، وذلك في محاولة منهم لكسب الأصوات العربية لصالحهم.
وداخل هذه المدن قانونها الخاص الذي يحكمها أما في باقي الدولة وخاصة دولة "تل أبيب"، فهي تحكم بما يعرف بقانون الدولة الرسمي حيث لها خصوصيتها أيضاً فما يجري عليها لا يطبق على الأماكن الأخرى.
هذه الدويلات الأربع التي تشكل ما يعرف "بإسرائيل"، هي تعبير واضح وجلي لحالة الأزمة التي تعيشها منذ إقامتها، فهي لم تستطع لغاية الآن خلق حالة من التجانس والإئتلاف الداخلي، فكل فريق يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة على حساب الفريق الآخر، ودون مراعاة أو النظر لما يعرف بالمصلحة الجمعية أو العامة، وهذا صراع مستمر ومتفاقم يوماً بعد يوم.