الأخبار تقول أن نسبة التسجيل للانتخابات الفلسطينية فاقت الـ 90%، وبالنظر لهذه النسبة قد يكون ذلك دليل على رغبة وإرادة الفلسطينيين في انتخاب ممثلين لهم، وكان هذا واضحا في الانتخابات التي أجريت في العام 2006، وقدرة الناس على التغيير والتعبير عن رأيهم من خلال صناديق الإقتراع، وحقهم في المشاركة السياسية التي تعتبر من الحقوق السامية واقتران سموها بسمو الحق في حرية الرأي والتعبير، وغيرها من الحقوق الأساسية التي حرم منها الفلسطينيين.
إن إمكانية إجراء انتخابات فلسطينية حرة ونزيهة في ظل الإحتلال دليل آخر على أن الشعب الفلسطيني صاحب إرادة حرة حتى لو طال زمن الإحتلال، وتسلط سلطات الأمر الواقع عليه في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالشعب الفلسطيني لا يقبل أن يستمر الواقع كما هو عليه الأن، أو تفرض عليه أي جهة قيادة أو سلطة بذاتها في الحكم.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي يسود بين الفلسطينيين والرغبة في التغيير، يشعر الناس بمرارة وخشية من عدم نجاح العملية الإنتخابية، ومن الحال الذي وصلوا إليه ويزداد سوءً يوماً بعد الآخر، وعند مراجعة مسيرتهم لم يجدوا أنهم حققوا أي من أهدافهم الإستراتيجية للتحرر وتقرير المصير، بل أنهم فشلو في تحقيق أي انتصار لتعزيز بقائهم وصمودهم، ويبحثوا من سنوات في تعزيز الانقسام وتشتيت المشتت.
وخلال السنوات الماضية لم يديروا أي نقاش جدي ومراجعة حقيقية والبحث في مستقبل قضيتهم والمشروع الوطني والمخاطر والتهديدات التي تحيق بهم، وبعد أن استبشروا خيرا في اجتماع الامناء العامون للفصائل سرعان ما تبددت البشائر، والانقلاب على أحلام الناس بالقطع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت المفأجاة اعادة العلاقات التي علقت مع الإحتلال.
ولا يزال الفلسطينيين يتكبدوا الخسائر الكبيرة والخطيرة، وكأنهم نسوا العدو الذي امضوا عقوداً من الزمن في مقارعته لاسترداد حقوقهم المسلوبة، والمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني ماض بسرقة للأرض وتهويد ما تبقى منها.
المسؤولون في حركة فتح أكدوا على تأبيد الرئيس محمود عباس رئيساً لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، ويبحثوا في كيفية ثني الأسير مروان البرغوثي عن الترشح للرئاسة، ومطالبه بأن يكون شريكاُ في تشكيل قائمة حركة فتح للانتخابات، وما تتناقله وسائل الإعلام وفي مقدمتها الإسرائيلية حول تهديد حسين الشيخ لمروان البرغوثي بعدم الترشح للرئاسة.
يأتي ذلك في ظل إصرار مؤيدي مروان البرغوثي من الذهاب لوحدهم بقائمة باسم حركة فتح، وفي الوقت نفسه يخشون من الخروج من حركة فتح وتأثير ذلك على وحدة الحركة، حتى الآن لم يحسم الخلاف والصراع. وربما التعبير عن حدة الخلاف صامت ولم يخرج للفضاء العام الفلسطيني.
حركة فتح تتآكل وأصابها الوهن جراء السياسات الخاطئة والاستبداد والاستفراد بالقرار والناس، وكثر من قيادة فتح يطمحون للترشح لمنصب الرئيس إلا أن قلة من يستطع المواجهة ومن بينهم مروان البرغوثي غير أن المشككين من قيادة الحركة والمتنفذين فيها لا يريدون مروان ولا يرغبون بوجوده في الخارج.
حتى الأن لا يستطع أحد التوقع بانتهاء الخلاف وحسم الصراع وتوحيد الحركة والذهاب للانتخابات موحدة. قيادة حركة فتح المتمثلة باللجنة المركزية غالبيتهم لا يستطيعوا مواجهة الرئيس أو القول له يكفي، وانه يجب تجديد الحركة وان منصب الرئيس ليس حكرا عليه.
في موازاة ذلك يجب انهاء الانقسام الحاد في حركة فتح واعادة اللحمة الداخلية للحركة، فأسباب الخلاف القائمة ليست قائمة على برامج سياسية مختلفة، ولا يحتاج الواقع الفتحاوي الى توضيح اكثر، ولا يحتاج المسؤولون الفتحاويون الى من يذكرهم بأن مستقبل فتح في مهب الريح وتشرذم اكثر وما يطرح من مخاوف ومخاطر حول القضية الفلسطينية.
ما كان للحال الذي يعيشه الفلسطينيون أن يتعمق لو لم تكن المؤسسة القوية مغيبة والمصالح الخاصة والخلافات غير المنطقية وغير المقنعة للناس، وغياب الحديث عن برنامج سياسي واضح المعالم لحركة تحرر وطني، بما في ذلك المقاومة بتعزيز صمود الناس بما فيها المقاومة السلمية والشعبية مغيبة بفعل فاعل وتخشاها إسرائيل.
المشهد معيب ومؤلم، إسرائيل في أفضل حالاتها وتجلياتها، مطمئنة وتحتل البلاد والعباد، من دون أي خسائر، ومستمرة في فرض الأمر الواقع من بناء مزيداً من المستوطنات، وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وتفرض حصارا شاملاً وخانقاً على قطاع غزة.
الانتخابات فرصة ومهمة لإنقاذ فتح والمشروع الوطني للبحث عن بديل للحال القائم وانتخاب قيادة شابة مؤمنة بالتغيير، وأن تكون المهمة جماعية وليست مهمة الرئيس فقط، حتى لا يتم تكريس حكم الفرد الذي يتحكم في كل مقاليد الأمور، ولدى الفلسطينيين القدرة على التغيير السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية، وإعادة بناء الكيان الفلسطيني الوطني من خلال انتخابات شاملة لمؤسساتهم التمثيلية بطريقة ديمقراطية.