فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: شهدت بلدات فلسطينية في الداخل المحتل عام 1948 حراكات وتظاهرات، خلال الأيام الماضية، احتجاجاً على تواطؤ شرطة وحكومة الاحتلال مع عصابات الإجرام التي أمعنت قتلاً بالفلسطينيين.
يوم أمس، اعتدت شرطة الاحتلال على المشاركين في تظاهرة بمدينة أم الفحم، الليلة الماضية، واعتقلت أربعة منهم.
ويواصل أهالي أم الفحم تنظيم تظاهرات استنكاراً لتفشي جرائم القتل التي حصدت أرواح مئات الفلسطينيين، والتواطؤ الواضح من قبل شرطة الاحتلال مع القتلة.
وقريباً من مكان التظاهرة، قتل الشاب محمد ناصر جعو بعد تعرضه جريمة إطلاق نار، وفي وقت لاحق أصيب شاب آخر بجريمة في قرية كابول شمال فلسطين المحتلة.
وفي سياق الحراك الاحتجاجي على تفشي الجريمة، أعلن رئيسا بلدية أم الفحم، سمير محاميد، عرعرة، مضر يونس، استقالتيهما "لمدة شهر" مع إمكانية تمديدها احتجاجًا على تواطؤ شرطة الاحتلال مع المجرمين.
تعيد التظاهرات الأخيرة في الداخل المحتل ضد العنف والجريمة، "الأمل" بتحوله "لحراك" متواصل يعيد ترتيب الأولويات للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ويحميهم عن خطاب "الأسرلة" و"الصهينة" الذي تحاول حكومة الاحتلال ترويجه خاصة بين فئات الشباب، بمشاركة "أدواتها"، مستغلة "التراجع" و"الانحدار" اللذين أصابا الأحزاب والقوى السياسية.
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو دخل كالعادة على سياق الأحداث، وحاول استغلال الضرر الهائل الذي لحق بالمجتمع الفلسطيني من عصابات الجريمة، للحصول على أصوات الفلسطينيين بالداخل لصالح معركته الانتخابية القادمة، حيث نظم زيارات لمدن مختلفة بينها الناصرة التي تصدى النشطاء والأحزاب فيها له، وتعرضوا لقمع وحشي من عناصر شرطة الاحتلال.
التوجه الجديد لنتنياهو "لاستقطاب" أصوات ناخبين عرب، يأتي بعد "الصفقة" التي عقدها النائب في "الكنيست" منصور عباس معه، وهو ما اعتبره نشطاء ومحللون "انحداراً" كبيراً في السلوك السياسي، الذي بدأ مع التوصية على رئيس أركان جيش الاحتلال السابق بيني غانتس لرئاسة الحكومة، وهو ما سيقود لتسهيل تغلغل الأحزاب الصهيونية في المجتمع الفلسطيني بالداخل.
ليست قضية تفشي الجريمة بعيدة عن "السلوك والخطاب المنحدر وطنياً" من قبل قادة أحزاب ونخب في الداخل، فهو يندرج في سياق تفكيك المجتمع، الذي تعتبر الجرائم أداة فاعلة فيه، ودفعه نحو "الإحباط" من السياسة و"اليأس" منها، على طريق تحويل الفلسطينيين إلى أفراد تنفرد بهم دولة الاحتلال، وتحول المعركة من صراع على الوجود والهوية والأرض، وبين شعب يرزح تحت الاحتلال، إلى أحزاب وتجمعات تبحث عن تحسينات في تعامل الدولة الفوقي معها وفي توزيع الخدمات.
محاولات "اغتيال المجتمع" في الداخل بدأت منذ اليوم الأول للنكبة، عبر سياسات الحكم العسكري الذي حاول منع الفلسطينيين من التواصل مع بعضهم ومع أبناء شعبهم في الضفة وغزة والشتات، وجاءت أحداث مثل انتفاضة يوم الأرض، والمشاركة الواسعة في بداية انتفاضة الأقصى، دفعت حكومة الاحتلال لتوسيع مخططاتها لتحطيم المجتمع من خلال التغاضي عن عصابات الجرائم وقتل الهوية الوطنية التي تدفع نحو الصراع مع الاستعمار بدلاً من الاقتتال الداخلي.
في 1976، كشفت صحيفة إسرائيلية عن وثيقة أطلقها "كينغ" متصرف لواء الشمال في حكومة الاحتلال، تحدث فيها عن سياسات يجب أن تتخذها "إسرائيل" لمحاربة الفلسطينيين في الداخل، من خلال زيادة "تهويد" الجليل وتشجيع الهجرة من البلاد واغتيال قيادات وطنية والتحريض عليها.
في تصريحاتهم المختلفة يعتبر قادة الاحتلال أن فلسطيني الداخل هم "خطر استراتيجي"، وتختلف الأدوات في محاربة هذا التهديد من منظورهم، بوسائل مختلفة بين تسهيل تفشي الجريمة، ومحاربة الحركات الوطنية وآخرها حظر الحركة الإسلامية الشمالية وملاحقة نشطاء "أبناء البلد" و"التجمع" وغيرهم، وقتل الهوية الفلسطينية، وكل هذه التحديات التي يفرضها الاحتلال بحاجة لاستراتيجية وسلوك وطني جديد يشمل كل الفلسطينيين بأماكن تواجدهم، بعد سنوات من الانقطاع والتشظي.