فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: وراء كل أغنية قصة أبطالها شبان يحرسون الأرض، وشهداء ارتفعوا راية للدفاع عنها، وفلسطينيات، وحجارة، ومكان، وأعلام.
في الإنتفاضة كانت الأغنية سلاحاً للتعبئة الجماهيرية، مثل المولوتوف، والحجارة، وبيانات القيادة الموحدة، و إضراب التاسع من كل شهر.
لم يكن من السهل في ذلك الزمان أن تكتب أغنية، دون أن تلاحقك أجهزة الاحتلال الإسرائيلي!! ولم يكن من السهل عند تدوين الأغاني التي كتبت في الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، عدم إعادتها الى الزمان الذي خرجت فيه.
من كفرعين إلى نحالين/تحية الإنتفاضة:
في 1989 حاصرت قوات الإحتلال الإسرائيلي قرية نحالين، من جهاتها الثلاثة، و شرعت بتنفيذ مجزرة بشعة بحق الخارجين لتوهم من صلاة الفجر.
استشهد: (رياض غياظة، ومحمد غياظة، ووليد صافي، وفؤاد عوض، صبحي عطية)، ورغم عدم وجود وسائل تواصل تشبه الموجودة، اليوم، الى أن الخبر كما كل أخبار الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، عمَ البلاد ووصل الى الشبان في قرية كفر عين، الذي تجهزوا منذ سماعه للخروج في مظاهرة ضد الاحتلال، رداً على المجزرة.
وكما أرخ الزجل لكل الأحداث التي وقعت في ذلك الزمان المجيد، كان للزجل الشعبي الفلسطيني دوره الكبير، في حفظ الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني.
أرخ الفن الشعبي للمجزرة بطلعة زجلية، ما زالت تحفظ في كفر عين، إلى يومنا هذا:
إنتفاضة قوية
و عزم ما يلين
و ختم الإستمرارية من نحالين
كان هذا هو الدور الكبير للزجل الشعبي الفلسطيني المقاوم، الفن الذي ما زال ينعش الذاكرة والروح، و يتجاوز التأريخ إلى شحذ الهمم لمواجهة غطرسة "إسرائيل" المستعرة.
الإنتفاضة الأولى/أنا طفل البساتين الخضرا:
أنا طفل البساتين الخضرا
فلسطين إمي و بيي
ليش أطفال العالم حرة
و أنا مالي حرية
وفي هذه الأغنية مقطع يقول:
أنا طفلة و اسمي تحرير
و جهاد اسم الوالد
إمي حضن الجماهير
وحضن الجيل الصاعد
عمري من الضياع
انقذو المقلاع
أصل ابوي من القطاع
وأمي ضفاوية
كتبت الأغنية في الإنتفاضة الأولى، في قرية كفر عين، و هي للشاعر الفلسطيني الأستاذ عوني البرغوثي.
وكتب الأستاذ عوني قصيدة أخرى، عنوانها "عالسد شفتو "، إهداء لأطفال الحجارة، و هي تجسيد حي لمشهد حظي الشاعر برؤيته في قريته كفر عين خلال مواجهات الإنتفاضة الأولى.
بعد كتابتها غنتها فرقة "أشبال الحرية"، إلى جانب العديد من الأغاني التي كان أبرزها حينها "وينك حرس حدود" و" أنا طفل البساتين الخضرا " ضمن "كاسيت" نشر ووزع سراً.
كلمات الأغنية:
عالسد شفتو
والحجر في إيدو
رصاص الأعادي عنفوان يزيدو
الاسم خالد و العمر ثماني
من الصف الأول رفعوا عالثاني
قسم رفاقي الكتب غناني
يا ناس كيدوا الصهيونية كيدوا
الاسم ثائر و العمر قدامه
عشرين عام عيونو ما بنامو
على المغاير فرشتو
و حرامه ما همه
برصاص الغدر تيصيدو
الاسم عاطف والعمر في وجهو
عشر سنين و لأعمالو انتبهوا
لما رفاقه مهمتهم ينهوا
بنزل حجارة و عالظلم تسديدو
الاسم رفعت والعلم بيدو
والعمر تسعة واللي حوله قدو
ولع عجالو في الطريق وسدو
هوي و رفاقو للنضال يزيدو
الاسم ثورة و العمر صباها
يا بنت هالسطعش ما أحلاها
اتضمد جريحو و عالوطن عيناها
واللي يصيح من الجيش تكيدو
الإسم انتفاضة والحجر صاحبها
قيام دولة للوطن مطلبها
أم الشهادة معطرة تقطبها
والوطن غالي مستحيل تهويدو
نال الشهادة والشهادة حظه
من قال فلسطين أمه و أرضو
كل النازية عالشعب ما بقضو
واسم الشهيد في قلبنا تخليدو
الحجر دوى والبارودة خافت
وجنودهم نار المنايا شافت
وأرواحنا بسما وطنا طافت
والوضع حامي و بيدنا تصعيدو
عن الشاعر الشهيد راجح السلفيتي - صوت الإنتفاضة الفلسطينية:
مزج الشاعر الشعبي راجح السلفيتي، بين العمل الفني والالتزام بقضايا شعبه ووطنه، وترك مجموعة كبيرة من الأغاني، التي ارتبطت بشكل مباشر مع القضية الوطنية الفلسطينية والعالمية، والشعوب المساندة للشعب الفلسطيني.
تناول السلفيتي بأغانيه قضايا الشعوب من الجزائر، وكمبوديا، وكوبا، ولبنان، إلى ميادين النضال وساحاته داخل الوطن.
كان الزجل الفلسطيني يعبر بأشعار راجح السلفيتي، من جيل إلى اخر، مساهماً في تشكيل الثقافة الوطنية، القادرة على مجابهة سياسة التجهيل والتركيع، التي مارسها الإحتلال على الفلسطينيين.
تناول الزجل كل المواضيع الوطنية، من العمليات الفدائية وتمجيد الشهداء، إلى تخليد الوقائع و الأحداث المحلية و العالمية، وصولاً إلى التغني بالحجارة و المولوتوف، وحشد الجماهير للمشاركة في المظاهرات، التي قاد الزجالون الوطنيون جزءاً كبيراً منها.
زجلية لم تكتمل:
من الصعب أن على المؤرخين الفلسطينيين، أن يتمكنوا من تقدير عمر ارتباط الزجل بالقضية الوطنية الفلسطينية، إلى أن لا أحد منهم بإمكانه إنكار الدور الأبرز الذي لعبته مدرسة راجح السلفيتي، في نقل الأزجال الفلسطينية من الأشكال القديمة، إلى مواضيع تناسب الظرف الفلسطيني السياسي الخاص، و هو مواجهة الإستعماري الإحلالي.
كان الوطنيون الفلسطينيون وراجح واحد من أبرزهم، يعتقدون أن الوصاية الأردنية على الضفة الغربية، هي إحتلال لفلسطين و مساهمة رجعية لضرب أي حالة وطنية خاصة، قد تتشكل لضرب المصالح الإمبريالية في فلسطين، خاصة مع ولادة القاعدة الإستعمارية الحديثة في ذلك الوقت، هذه القاعدة التي عمل الإستعمار جاهداً على إنشائها عن طريق تحالفات رجعية ممتدة على مساحة العالم أجمع.
في هذه المرحلة مُنع الفلسطينيون من حمل السلاح لمواجهة "إسرائيل"، كما أن "المخافر" التي توزعت على إمتداد المدن كانت تسرق قوت الفلاحين و غلال أراضيهم، ليصبح الظرف الفلسطيني في ظل الحكم الأردني، موضوعاً زجلياً قد يجلب لصاحبه السجن أو الملاحقة.
في 1967 و قبل قيام الحرب استدعى رئيس مركز شرطة سلفيت، الزجال الوطني راجح السلفيتي، للمشاركة في حفل رسمي، فاجأ الراجح الحضور و قال:
هاج المغنى
المغنى هاج
ردوا معانا يا رجال
دولة بتحكم بالكرباج
مصيرها يكون الزوال
لم تكتمل الطلعة واعتقل الراجح و زج به داخل غياهب السجون الأردنية، وكانت من أوائل الحالات التي إعتقل فيها شخص بسبب (أغنية).
لم يتوقف الراجح هنا بل كتب مئات القصائد الوطنية، التي سامهت في توجيه الجماهير، نحو القضية الرئيسية، و هي الصراع ضد الإحتلال الإسرائيلي.
صورة: راجح السلفيتي