القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: "كل حرية دون تحرر رفيقات السجن منقوصة"، حقيقة تتشارك فيها كل المحررات اللواتي يخرجن من باب السجن، وخلفهن "عيون وقلوب" أتعبها الشوق والحزن، ويحدوها الأمل نحو حرية قريبة تخلصهن من عذابات الاعتقال.
محملة برسائل من الأسيرات وذكريات عن التعذيب في زنازين "المسكوبية"، وإجراءات السجانين لخنق الحركة الأسيرة، تعود الأسيرة ميس أبو غوش إلى حضن عائلتها في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، بعد حرمان الاحتلال لها منهم لمدة 15 شهراً.
"لحظات صعبة لا يمكن وصفها"، تقول ميس عن اللحظات والساعات الأخيرة لها بين الأسيرات، قبل أن يفرج عنها.
تروي ميس "لقُدس الإخبارية"، عن أصعب المواقف التي تتذكرها خلال فترة الاعتقال: "قبل الإفراج عن الأسيرة سماح جرادات، قالت لها الأسيرة شروق دويات المحكومة بالسجن لمدة 15 عاماً: يمكن أظل في السجن بعدك 10 سنين، ويمكن تتذكروني أو ما تتذكروني كل اللي بتمناه أكون معكم وأعيش الحياة".
"الأشياء الحياتية البسيطة تتحول إلى حلم في السجن"، تلخص ميس حياة الأسرى والأسيرات، وهم يناضلون يومياً للحصول على حقوق إنسانية بسيطة، تماطل إدارة سجون الاحتلال في منحها لهم، وتقول: الأسيرات استطعنا مؤخراً بعد جهود ونضالات، أن يدخلن "الدبابيس" و"المشابك" الخاصة بالفتيات، وهي أشياء بسيطة في نظر الناس، لكنها في حياة الأسيرات المحرومات من أصغر الأشياء، كبيرة ولها قيمتها.
وتشير ميس إلى أن لدى الأسيرات عدة مطالب، أهمها إغلاق معبر "سجن الشارون"، الذي يحتجز الاحتلال فيه الأسيرات اللواتي ينهين التحقيق والمعتقلات الجدد، في ظروف صحية وإنسانية قاسية.
وأضافت: تتضاعف معاناة الأسيرة في المعبر مع وجود سجناء جنائيين في الغرف المجاورة لهن، وهؤلاء يتعمدون إطلاق الشتائم والألفاظ النابية وخلق ظروف ضاغطة على الأسيرات.
كما تطالب الأسيرات بإزالة الكاميرات من ساحة "الفورة" في سجن "الدامون" حيث يحتجزهن الاحتلال، تضيف ميس، "لأن فيها انتهاكاً لخصوصيات الأسيرات وتنغيصاً عليهن".
وتقول: حلم كل أسيرة أصبح أن ترى الشمس بحريتها، خاصة أن القسم الأكبر منهن محجبات، ومن حقهن أن ينعمن بالضوء، دون أن تكون هناك كاميرات تنتهك حريتهن المقيدة أصلاً بالسجن.
وأوضحت ميس أن الاحتلال لا يكتفي بالتضييق على الأمور الحياتية الخاصة بالأسيرات، بل يعمل على منعهن من إكمال التعليم الجامعي، حيث صادر مؤخراً كتباً من داخل غرفهن والدفاتر التي تحتوي على ملخصات للمواد، وهدد بعزل الأسيرات اللواتي يحاولن التعلم.
وحول الحالات الصحية للأسيرات الجريحات، تشير إلى أن الأسيرة إسراء جعابيص بانتظار عمليات جراحية لمعالجة الحروق التي تعاني منها، كما أن الأطباء أخبروا الجريحة مرح باكير أنهم لن يستطيعوا إخراج "البلاتين" من يدها لأن ذلك "سيتسبب بتلف فيها"، والأسيرة نورهان عواد مصابة برصاصة مستقرة في بطنها، ووضعها الصحي مستقر، والجريحة أمل طقاطقة لديها "بلاتين" في قدمها جراء إصابتها برصاص جنود الاحتلال خلال اعتقالها.
عن لحظات انتظار صوت الأهل عبر الأثير التي يتشارك فيها الأسرى والأسيرات، تروي ميس: "دائماً قبل مواعيد برامج الأسرى التي تبثها عدد من الإذاعات، تتجهز الأسيرات كأنهن بانتظار زائر، وكل كلمة تسمعها من عائلتها كفيلة أن تجعل يومها أفضل".
في بداية اعتقالها، تعرضت ميس لتحقيق قاس في مركز مخابرات الاحتلال "المسكوبية" بالقدس، وتصف هذه الأيام بأنها "الأقسى والأصعب".
وتقول: في بداية التحقيق استخدم ضباط مخابرات الاحتلال أسلوب التحقيق النفسي، ثم تعرضت لتحقيق عسكري لمدة ثلاثة أيام، تنوعت فيها وسائل التعذيب بين الشبح على الحائط و"الموزة"، وتوجيه الشتائم والتهديد بالإبعاد عن الجامعة واعتقال عائلتي، وقد نفذوا تهديدهم باعتقال شقيقي الصغير خلال فترة التحقيق معي.
"كنت أسمع أصوات الأسرى وهم يصرخون من التعذيب"، تروي ميس، وتضيف: "كان المحققون يتعمدون أن أسمع هذه الأصوات كي يزيدوا من التعب النفسي".
وتضيف: "تعرضت للتحقيق العسكري والتعذيب رغم أنني طالبة جامعية، والتهم التي وجهتها محكمة الاحتلال لي تتعلق بعمل نقابي وصحفي".
وتقول: "قرأت كثيراً عن التعذيب في سجون الاحتلال لكن أن تعيش التجربة ليس كالسماع، لم أكن أتصور أن الأمر بهذه البشاعة، أن تسمع أصوات أصدقائك وهم يتعذبون دون أن تقدر على مساعدتهم، لكنك تكتشف أنك أقوى مما اعتقدت وقادر على الصمود".
"في الاعتقال تغيرت داخلي كثير من الأشياء، لكن أهم ما حصل لي أنني تعرفت على الأسيرات ليس كمادة صحفية، بل تشاركت معهن في التجربة والمعاناة وسمعت منهن"، تضيف ميس.
ميس أبو غوش خريجة من قسم الصحافة والإعلام في جامعة بيرزيت، وهي شقيقة الشهيد حسين والأسير سليمان أبو غوش.
يحتجز الاحتلال في سجونه عشرات الفلسطينيات، بينهن جريحات يعانين من إصابات، وطالبات جامعيات، وأمهات يحرمهن الاعتقال من أطفالهن.