يحاجج مسؤولون سودانيون بعيد الإعلان عن اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني على أن هذا التطور يخدم مصالح بلادهم القومية.
وهم يشيرون، ضمن أمور أخرى، إلى المنافع الاقتصادية التي قد تخرج السودان من ضائقته الاقتصادية الخانقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه على أي أساس توصل حكام السودان إلى هذا الاستنتاج؟
طبعا لا يوجد عاقل يعتقد أن (إسرائيل) ستقدم مساعدات مالية للسودان، وهي التي تواجه أخطر أزمة اقتصادية في تاريخها بسبب تبعات كورونا.
وإن كان السودان يراهن على إمكانية أن تقدم له (إسرائيل) مساعدات تقنية في مجال الزراعة والمياه وغيرها من مجالات، فإن عليه أن ينظر إلى الدول الأفريقية التي دشنت علاقات مع الكيان الصهيوني ولم يحدث أي تحول على واقع المعيشة فيها.
إن الدولة التي حرصت (إسرائيل) على تزويدها بتقنياتها كانت أثيوبيا، حيث زودتها فقط بمنظومات دفاع جوي لتأمين سد النهضة وذلك لتعزيز قوة ردعها في مواجهة السودان ومصر، اللتين يعد السد تهديدا وجوديا لهما.
على الرغم من أن السودان لا يتاخم فلسطين جغرافيا، إلا أن اتفاق التطبيع معه، ينطوي بالنسبة لـ(إسرائيل) على أهمية استراتيجية كبيرة.
فهي تراهن علنا بأن يسهم التطبيع مع السودان في تقليص قدرة كل من إيران وتركيا في الحصول على موطئ قدم في المنطقة، سيما في شرق أفريقيا، التي تكتسب أهمية استراتيجية للكيان الصهيوني، بسبب قربها من الممرات البحرية التي تسلكها التجارة الإسرائيلية في طريقها إلى جنوب شرق آسيا.
لكن أهم مصالح (إسرائيل) الاستراتيجية ذات الطابع الأمني والعسكري المباشر في التطبيع مع السودان تتمثل في أنه يحسن من قدرة (تل أبيب) على سد منافذ إمداد المقاومة في قطاع غزة بالسلاح، على اعتبار أن (إسرائيل) تدعي أن السودان يعد ساحة لنقل السلاح من إيران وليبيا إلى غزة.
والصهاينة يرون أن حركة حماس ستكون أحد أكثر الأطراف تضررا من هذا التطبيع، بسبب ارتباط جهدها العسكري بخطوط الإمداد التي تمر في الأراضي السودانية، كما يزعم الصهاينة.
الصهاينة يزعمون أيضا أن حماس تهرب السلاح من ليبيا إلى السودان ويتم نقله من هناك أيضا باتجاه غزة، حيث تراهن أن يسمح اتفاق التطبيع بتشديد المراقبة على الحدود مع ليبيا.
إلى جانب ذلك، يحمل اتفاق التطبيع مع السودان في طياته فرصة لتمكين حزب الليكود الذي يقوده بنيامين نتنياهو من تقديم "انجاز" يحسن مكانته الداخلية، في ظل تعاظم المظاهرات التي تطالب باستقالته.
ستسعى (إسرائيل) للشروع في مفاوضات مع السودان لضمان استيعابه طالبي اللجوء من السودان، الذين يتواجدون في تل أبيب تحديدا.
وفي حال اتفقت الخرطوم وتل أبيب على خطوة من هذا القبيل، فإن حزب الليكود سيوظفه على الصعيد الداخلي وتحديدا في الحملات الانتخابية، على اعتبار أن الحزب أخذ على عاتقه "تخليص" (إسرائيل) من مشكلة طالبي اللجوء الأفارقة وتحديدا السودانيين.
وقد سبق أن وصفت وزيرة المواصلات الإسرائيلية الليكودية ميري ريغف طالبي اللجوء السودانيين الذين يتواجدون في منطقة جنوب تل أبيب بأنهم "سرطان".
ويشار إلى أن قناة "8" الإسرائيلية بثت قبل عام وثائقي " الموساد قصة تخفي"، والذي تناول تاريخ أنشطة الموساد؛ حيث كشف الوثائقي على لسان قيادات سابقين في الجهاز أنهم أرسلوا أواخر ستينيات القرن الماضي لتدريب عناصر الحركة الشعبية لتحرير السودان على تنفيذ عمليات في العمق السوداني بهدف تقليص قدرة الخرطوم على التفرغ لإسناد الجهد الحربي المصري ضد (إسرائيل).
ولفت الوثائقي إلى أن مخطط الموساد، على اعتبار أن الحكومة السودانية وبهدف مواجهة عمليات المتمردين اضطرت إلى إعادة 30 الف جندي سوداني كانوا يرابطون على قناة السويس لإسناد الجيش المصري.
ومجددا: ماذا كسب السودان من التطبيع؟!