يتفادى العدو إكثار الحديث عن الاتصالات التي تجري بين الفصائل مؤخرا، ولا يغطي إعلاميا المؤتمرات واللقاءات متعمدا لاعتبارات واضحة وأسبابها معروفة،
بالأمس القناة الثانية العبرية تحدثت عن أن حركة فتح تريد فرملة المسار لنقل لقاء الأمناء العامين للقاهرة بهدف التراجع والتنصل عما تم الاتفاق عليه مؤخرا، مستجيبة للضغوط العربية ومستقوية بالوجود المصري في اللقاء وهذا غير صحيح في الواقع.
كل إجراء وسياسة من العدو معادية للقضية على مستوى عسكري أو سياسي أو اقتصادي لها مضاعفات وتداعيات، وغالبا ما يتأكد العدو من أن مكاسبها تتفوق على خسائرها، فعندما أصر بالضغط الصهيوأمريكي على الحكام المشنيين من ثقافتهم منفصلين عن التاريخ والجغرافيا لغياب العمق، لأجل إجبارهم على التطبيع والذي ظهر تأييدا لكل ما يقع على الفلسطينيين من الاحتلال من قتل وتهجير وتهويد واستيطان وحصار لم يكونوا مستحضرين التداعيات الداخلية في مواجهة زلزال التطبيع على القضية ومستقبل الفلسطينيين.
لم يستشرفوا جيدا المآلات، فعامل السرعة والاستعجال الذي أصر على فضح علاقات العدو مع دول لطالما هاجمت المقاومة الفلسطينية واتهمتها باسم الواقعية وتأييد الخط السياسي للسلطة أُجبرت على التماهي مع مواقف العدو يجعلهم الآن مترددين في التخلي عن الفوائد التي جنوها من إشهار العار والتطبيع مقابل الحديث عن مسار تصليب الموقف الفلسطيني باتجاه خيار المقاومة، خيار الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال، خيار الشهداء القادة الذين جادوا بدمائهم سخية على الطريق.
العدو لن يسارع في تسليط الضوء على التحولات الخطيرة التي تراكمت على مدار 14 عاما، شكلت خنادق محفورة وعوائق متينة حمت الاحتلال عندما انشغل الأخوة بأنفسهم عن المقاومة في مواجهته في أمور نتائجها لا تتصل برفع تكلفة احتلاله.
تجربة الشعوب في اختصار الزمان البائد والتغلب على آثاره في الصراعات الداخلية تجري بسرعة البرق إذا توفرت الإرادة
فغالبية شعوب أمريكا الجنوبية وعدد كبير من الدول الإفريقية عاشت نهاية القرن الماضي حروبا أهلية وبدأت التعافي في القرن الحالي، وجيل الشباب الآن لا يذكر ما حدث في تلك الحقبة ولا يجد شواهد عليها.
الاحتلال يدرك ذلك ويميز فائض القيمة بين تظهير علاقة قائمة منافعها الأمنية والاقتصادية متواصلة ومتحققة بالسر والعلن، مقابل إنهاء الفرقة والشتات في الموقف والرؤية الفلسطينية.
لن يطول صمت العدو ولن يمرر ما يجري بسهولة، أرسل رسائل بالنار في منطقة رام الله، لكن لا يفضل تسليط الضوء في زحمة الأحداث التي منعت من قطف الثمار فيما أسماه تحولا استراتيجيا عله يخفف من دفع الأثمان ولو دعائيا لتداعيات ما ينعكس داخليا في الساحة الفلسطينية بين القوى في مواجهة زلزال التطبيع المشين.
دائما الخطوة الأولى صعبة، وكل على مستوى فردي وجماعي سأل نفسه يوما من أين أبدأ؟ والاحتلال أراحنا وسهل علينا بحماقة اعتبرها إنجازا استراتيجيا بتظهير التطبيع، من أين نبدأ؟
في الأيام القليلة القادمة سيُجبر العدو على تغيير الخطاب الإعلامي والإجرائي في مواجهة التطورات، حجم الفشل المدوي الذي يعيشه في مواجهة كورونا والذي أدى لإسدال الستار على كل باب، فتوقفت عجلة الاقتصاد وأُحكم المنع والإغلاق، ونُسفت فرص التفاهم الداخلي واستمرت المظاهرات، ولم يُصادق على الميزانية، ولم تعد الانتخابات حلا، وكمكم استطلاعات الرأي أخرج جنياً في مواجهة نتنياهو والفلسطينيين.
المنطقة تتهندس وتتشكل وتتهيأ لمعركة حامية الوطيس مركباتها مختلفة تماما، فبينما هرتزل حدد 50 عاما على قيام دولة الاحتلال على أرض فلسطين وتم له ذلك كنا غافلين، واليوم لم يعد العدو كما كان، ولم نبق كما كنا، وإن غدا لناظره قريب.