شبكة قدس الإخبارية

"أن تكون فلسطينيا في لبنان": قصص قصيرة ومشاهدات لسامر مناع

هيئة التحرير

"أن تكون فلسطينيا في لبنان.. قصص قصيرة – مشاهدات"، اسم كتاب للصحافي والباحث الفلسطيني سامر مناع، صدر حديثًا عن "دار نلسن للنشر" في بيروت، وهو يقع في 176 صفحة متوسطة القطع، وتزين غلافه لوحة لمالك محفوظ.

يوثق مناع في كتابه معاناة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، من حيث المعاملات الإدارية معهم، والقوانين التي تحرمهم من العمل، وجوانب عديدة أخرى، كما تظهر قصصه القصيرة ومشاهداته مشاعر الحنين الدائمة لدى اللاجئ الفلسطينيين لوطنه الذي شرد منه عام 1948، وطنه الذي يسكن أحلامه وتأملاته.

الفلسطيني "رهين المحبسين"

وفي مقدمتها عن الكتاب، كتبت المؤرخة الفلسطينية، د. بيان نويهض الحوت: "أبدأ بالاعتراف بأني يوم قرأت مخطوطة هذا الكتاب لم يكن العنوان هو الذي جذب اهتمامي، ذلك أنه يتحدث عن الموضوع الذي عشت معه أكثر من خمسين عاما ولا أزال. المفاجأة الاولى أني تعلمت الجديد في موضوع كنت أعتقد أني أعرف الكثير عنه، وهذا الجديد حكايات لا تحكى إلا همسا أو سرا، أو حكايات لا تحكى حتى بين أفراد العائلة الواحدة، أما الحكايات التي تحكى علنا ويرويها أهل المخيم فكان لها أيضا مكانها ومكانتها."

وتضيف: "ومن تجارب اللاجئين المقيمين في لبنان بالذات، وذكرياتهم وتراثهم وعذاباتهم وأحلامهم في هذه الصفحات، تعلمت أن الفلسطيني يبقى (رهين المحبسين): محبس اللجوء ومحبس الحرمان، أي حرمانه من أبسط الحقوق الإنسانية."

السخرية المبكية المضحكة

"أما أسلوب الكتاب عموما، فهو على الرغم من اتباعه عدة أنماط من الكتابة ما يحتم عليه التنويع في نهج الكتابة وأساليبها، فهو في واقع الأمر لم يكن الأسلوب من همومه الرئيسية، ويبدو أنه لم يكن نصب عينيه سوى الوفاء لفلسطين وأبناء شعبه."

"أما حين ينتهي القارئ من الكتاب فسيكتشف أن المصطلحات والمعاني والكلمات الأكثر تداولًا في الأدبيات الفلسطينية (كالشهيد)، أو (المناضل)، أو (الفدائي)، أو (زوجة الشهيد)، أو (الأم)، أو (حصار المخيمات)، أو (فاقدي الأوراق الثبوتية)، أو (الأونروا).. لها في هذه الصفحات معان جديدة تنبع من صدقية الكاتب و شفافيته ومثابرته أما اروع ما قدمه سامر مناع فهو كتابته الساخرة التي صور فيها أكثر التجارب مرارة في داخل المخيمات وأزقتها بأسلوب يبعث على البكاء والضحك معا."

"... يعني أن تكون متهما حتى تثبت براءتك"

العنوان الأول في كتاب سامر مناع هو "معنى أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان"، وتحت هذا العنوان كتب يقول: "حينها تكون على رأس قائمة المنتهكة حقوقهم على مختلف المستويات.. صحيا.. تربويا.. اجتماعيا.. وسياسيا الخ وأمامك خياران: إما أن تضع أوراقك بين أيدي سماسرة الهجرة لتشد الرحال إلى خارج لبنان أو أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان.

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان يعني أنه سيكون هم تأمين تكاليف العلاج أشد ألما من المرض نفسه، ولن تستقبلك المستشفيات إلا بكفالة مالية باهظة، وبلائحة أسماء الجمعيات الخيرية التي لا تعتبر الفلسطينيين من أولوياتها.

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان يعني أنك ستكون (فاقدا للأوراق الثبوتية) وحفيدا لفاقد أوراق ثبوتية، وجدا لفاقد أوراق ثبوتية، فتحمل مشكلتك في رحلة البحث عن الأوراق الثبوتية من دون جدوى تجنبا للتوقيفات الأمنية.. ليس خوفا من قضبان السجن، بل من أن يطال الجوع أطفالا ينتظرون يومية والدهم وقوت يومهم.

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان وأن تجد عملا فيه، يعني أنك ستعمل يوميا من دون كلل أو ملل، وإياك أن تتململ أمام رب العمل الذي لا يتوقف عن وضع الشروط التعجيزية، ويجب عليك دائما أن تتذكر فضله عليك بالمخاطرة في تشغيلك بشكل غير قانوني من دون ضمان أو تأمين صحي، وبحد أدنى للأجر… ينبغي ألا تمرض لأن العمل لا يحتمل أي إجازة مهما كانت الظروف، ولأنك إن مرضت ومت لا تجد قبرا… فالقبور تكاد تضيق بأصحابها."

"أن تكون فلسطينيا في لبنان يعني أن تتمهل قبل التفكير بمستقبلك العلمي والعملي، وأن تتواضع بأحلامك مهما كانت كفاءاتك وقدراتك، فطريقك مسدودة مسدودة… أن تكون فلسطينيا في لبنان يعني أن تكون محروما من حقك في أن ترث أو تورّث، أو تتمتع بلذة ادخار بعض الأموال لشراء منزل… أن تكون فلسطينيا في لبنان يعني أن تكون متهما حتى تثبت براءتك."

"في انتظار قبلات الأب"

وكتب مناع بلسان فلسطيني تحت عنوان "في انتظار قبلات الأب" يقول: "ولم أكن أعلم شيئا عن والدي الذي يأتي لرؤيتنا بضع ساعات في الأسبوع.. وربما كان يأتي متأخرا ونحن نائمون لأنني كنت أشعر بقبلة تطبع على خدي بين حين وآخر…

وذات يوم بعد أن طالت غيبته جاء جمع من الناس وأخبروا والدتي أنه استشهد. ومشيت وسط حشد كبير لدفن والدي وأوكلت أمي اليّ مهاما كثيرة حينذاك، وكنت سعيدا بذلك دون أن أعي ماذا يحصل، حتى سألتني أختي إيمان (4 سنوات) عنه فأجبت أنه استشهد.. وحين أرادت أن تعرف معنى ذلك استجمعت خبراتي المتواضعة وقلت لها إننا لن نراه ثانية. فتأملت إجابتي لبعض الوقت وأجهشت بالبكاء."