لا شيء يعكس ما حدث في مجلس "الجامعة العربية" وجلسة وزراء الخارجية العرب، سوى ما قاله محمود درويش قبل أربعين عامًا. هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يؤكدها إسقاط مشروع القرار الفلسطيني بإدانة الاتفاق الثلاثي بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
هذه هي حقيقة الأنظمة العربية، فهي تخشى على عروشها من غضب "رومها" أكثر مما تخشى على أوطانها وشعوبها، وإلا ما كانت تجاهر بهذا الرفض للقرار الفلسطيني، وما كانت لتتجرأ على فلسطين وقضيتها، لو لم تكن هذه الأنظمة منذ يومها الأول، بعيدة كل البعد عن قضية فلسطين وأهلها وشعبها، تمامًا مثلما كانت بعيدة عن شعوبها وآمالها هي، وكل ما قالته واجترته عن "قضية العرب الأولى" لم يكن سوى "معسول الكلام"، وضريبة تدفعها للتغطية على حقيقتها.
هل حقًا يعتقد من هللوا للتطبيع الإماراتي، ومن سكتوا عن هذا التطبيع، أنه يمكنهم أن يخدعوا شعب فلسطين والشعوب العربية المغلوبة على أمرها، بقولهم إنهم يصرون على المبادرة العربية، وهم من يقومون بأنفسهم بخرق هذه المبادرة ويرفضون إدانة من يخرج عن إجماع هو "أضعف الإيمان". ألا يعني رفض الإدانة قبولا بالفعل وتأييدا له؟
ما قام به مجلس الجامعة العربية هو باختصار شديد قولهم للفلسطينيين اذهبوا أنتم وفلسطين للجحيم، أما نحن فلنا مستقبلنا مع إسرائيل، وسلام ينتظرنا مع إسرائيل، وتطبيع وحب ووئام لا تعكروا صفوه...
هذا هو باختصار ما تريده الأنظمة العربية، سواء تلك التي قادت الثورات المضادة، أم تلك التي تتلفع بالممانعة وهي تقتل شعبها وتشرده في أصقاع الأرض حفاظًا على بقائها... ما الفرق بين من يسلم رقبته ورقبة شعوبه لجاريد كوشنر وبنيامين نتنياهو، وبين من يسلم رقبته ورقبة شعبه لفلاديمير بوتين، وهل ننتظر الفرج ممن يغازل إيمانويل ماكرون وينتظر عودته حاكمًا للبنان؟
لم يعد من أمل يرتجى من أنظمة تسابق الريح لكسب ود كوشنر وماكرون وبوتين، ولم يعد أمام الفلسطيني إلا أن يعود لبداياته الأولى وأن يعيد الاعتماد على نفسه، على شعبه وقدراته الداخلية، على وحدته الوطنية، بعيدًا عن كل الاعتبارات الفئوية والفصائلية، وبعيدًا عن خطاب الاعتذار أو الاستحياء من أنظمة وجامعة لا تستحي من عهرها السياسي بعد سقوطها الوطني والقومي. تبًا لجامعة عربية تختلف على عروبة فلسطين وتتفق على التطبيع.
المصدر: العربي الجديد