شبكة قدس الإخبارية

الأقصى في الذكرى 51 لإحراقه

2016-06-28t085123z_269295912_s1aetmmaalaa_rtrmadp_3_israel-palestinians-590x393
براءة درزي

لم يكن إحراق الأقصى عام 1969 إلا انعكاسًا لحجم المخاطر التي يتعرّض لها المسجد تحت الاحتلال، إن على مستوى الجريمة ذاتها، أو في تمريرها وتسهيلها وفي التعاطي مع المرتكب وضمان إفلاته من العقاب. ومنذ ذلك التاريخ، لم يتوقف حريق الأقصى وإن بات يأخذ شكلاً مختلفًا وأكثر خطورة كونه حريق بلا نار، يكاد يغيب خطرُه، أو يُغيّب، لتحلّ محلّه صفقات تصفية القضية الفلسطينية واتفاقيات التطبيع و"السلام" مع الاحتلال؛ وبين الصفقات والاتفاقيات تضييعُ الحقّ الفلسطيني، وتفريطٌ بالقدس، وتهاونٌ بالمقدسات.

ومع مرور 51 عامًا على جريمة الإحراق، يواجه الأقصى تصعيدًا في الاعتداءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الوضع القائم في المسجد تمهيدًا للسيطرة الكاملة عليه في ظلّ دعم أمريكي تُرجم مؤخرًا في صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميًا في كانون ثانٍ/يناير 2020 وفيها تبنٍّ لرواية الاحتلال، وتطبيع عربي تزايد في السنوات الأخيرة ليصل مؤخرًا إلى الإعلان عن "اتفاق السلام" بين الإمارات ودولة الاحتلال.

ومن هذه الاعتداءات استهداف الاحتلال للدّور الأردني في المسجد ومحاولة إنهاء هذا الدور الذي يتناقض مع ادعاءات الاحتلال حول السيادة الإسرائيلية على الأقصى. ويأتي في هذا السياق التدخل في صلاحية ترميم المسجد ومنع الأوقاف من ممارسة أي أعمال في هذا الإطار من دون إذن الاحتلال، وصولاً إلى مصادرة هذه الصلاحية كما جرى في التعامل مع حادثة سقوط الحجر من السور الغربي للأقصى حيث منعت سلطات الاحتلال طواقم الأوقاف من الوصول إلى المكان ومعاينته. يضاف إلى ذلك الاعتداء دور الحراس، وملاحقتهم بالاعتقال والإبعاد، ومنعهم من أداء عملهم، وإلزامهم بالبقاء على مسافة أمتار خلف القوات الخاصة التي تمشي وراء المقتحمين، وذلك لمنع الحراس من توثيق اعتداءاتهم وممارستهم الطقوس التلمودية.

على مستوى الاقتحامات، تزايدت أعداد المستوطنين المشاركين في اقتحام الأقصى في السنوات العشر الأخيرة قرابة سبعة أضعاف، فيما تسعى "جماعات المعبد" إلى تحقيق "إنجازات" خارج سياقات الأرقام، حيث تضغط من أجل تغيير واقع الاقتحامات من حيث القيود الزمنية أو إمكانيّة أداء الصلوات والشعائر التلمودية في المسجد، ولقيت تجاوبًا من شرطة الاحتلال كما كان واضحًا في اقتحام المسجد في الأعياد الإسلامية كما في عيد الأضحى في 11/8/2019 بذريعة الاحتفال بذكرى "خراب المعبد"، وأداء المستوطنين الطّقوس التلمودية في الأقصى ومن ضمنها طقوس التمايل والانبطاح، وأداء الصلوات العلنية والجماعية في المسجد، والسجود الملحمي كما في أيام 26/9/2019، قبيل رأس السنة العبرية، وفي 20/10/2019، و30/10/2019 في منطقة باب الرحمة، وفي ذكرى "خراب المعبد" في 30/7/2020.

ومن مظاهر الاعتداءات الأخرى الحفريات والإنشاءات التي يعمل الاحتلال عبرها على خلق هوية يهودية تحت الأقصى وفي محيطه لتتناسب مع الرواية التلمودية التي يتمسك بها. وقد افتتح الاحتلال على مدى السنوات السابقة قاعات تهويدية وعمل على حفر شبكة أنفاق تحت المسجد، إضافة إلى تنفيذ أو إقرار عدد من الإنشاءات التي تهدف إلى حجب الهوية الإسلامية والعربية للأقصى وفضائه، منها مشروع بيت الجوهر، وتلفريك البلدة القديمة.

ويفرد الاحتلال للمنطقة الشرقية من الأقصى اعتداءات خاصة ومكثفة حيث يسعى إلى الاستيلاء عليها، بما فيها مبنى باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة في الجهة الخارجية من السور الشرقي للمسجد، نظرًا إلى كونها نقطة انطلاق لمخطط التنفيذ المكاني الذي يحاول الاحتلال فرضه. وقد أغلقت سلطات الاحتلال مبنى باب الرحمة عام 2003 بذريعة استعماله من "جمعية إرهابية" واستمر الإغلاق حتى شباط/فبراير 2019 عندما فتحته جماهير القدس في هبة باب الرحمة. ومنذ ذلك الحين، يقود الاحتلال محاولات محمومة لإغلاق المصلى ولا يتوقف عن اعتقال المصلين فيه وملاحقتهم، فيما أبلغت الشرطة الأوقاف الإسلامية في أوائل تموز/يوليو 2020 قرارًا عن محكمة الاحتلال بإغلاق المصلى، وهو ما رفضته.

وفي مقابل تعزيز الوجود اليهودي في الأقصى وحوله، يعمل الاحتلال على استنزاف الوجود الإسلامي، وتقليصه، عبر حملات الاعتقال والإبعاد التي يشنها ضدّ المقدسيين وأهالي الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 بذريعة إخلالهم بالأمن والنظام، وقد أصدرت سلطات الاحتلال منذ بداية العام الحالي 261 قرار إبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة والقدس المحتلة.

يبقى أنّ مشروع التهويد الذي يقوده الاحتلال يقابله خيار الصمود والمقاومة الذي يتمسّك به المقدسيّون وفلسطينيو الداخل المحتل عام 1948. وهذا الخيار يبقى قائمًا على الرغم من أنّ الاحتلال عمل، بوتيرة متصاعدة منذ عام 2015، على إضعاف العنصر البشري المدافع عن الأقصى عبر حظر الرباط، وملاحقة المرابطين والمرابطات، وإبعادهم عن المسجد، حتى يكمل مشروعه التهويدي من دون الاصطدام بالمقاومة الشّعبية. ويمكن القول إنّ الاحتلال لن يتخلّى في الوقت القريب عن تهويد الأقصى، لكن تقدّم مشروعه أو عرقلته يبقى مرهونًا بحالة المقاومة التي سيواجهها، ليس بالضرورة على شكل هبّة أو اشتباك، بل كلّ ما يدخل تحت عنوان التصدّي للتهويد بالرباط رغم الإبعاد، والصلاة رغم الاعتقال، والوجود في المسجد، والمحافظة على الإنجاز الذي تحقّق في هبة باب الرحمة.

#الاحتلال #الأقصى #التطبيع