هناك ثلاث عمليات تقوم حكومة الاحتلال بتصعيدها؛ التوسع الاستيطاني وإصدار أوامر الهدم ضد المنشآت الفلسطينية، والاعتقالات اليومية التي يترافق بعضها مع جرائم قتل بشعة كما حدث للشهيدة داليا السمودي في جنين، والاعتداء على المؤسسات المقدسية، ومحاولة محاصرة الوجود الفلسطيني في القدس.
القرار الإسرائيلي بإنشاء ألف وحدة استيطانية جديدة في ما يسمى بمنطقة E1 الواقعة بين مدينة القدس والأغوار، مثّل إعلانًا بالبدء الفعلي لعملية الضم والتهويد، التي ظن بعض المحللين أنها تأجلت، أو أوقفت، مع أن نتنياهو يردد كل يوم تقريبا أنها على طاولة البحث والتنفيذ.
وبغض النظر عن إعلان أو عدم الإعلان الرسمي عن بدء عملية الضم، يجب رؤية الممارسات الإسرائيلية على الأرض بما تعنيه كعملية تغيير للواقع، ومحاولة تهويد، وضم فعلي، لكل المناطق التي صنفت للأسف على أنها مناطق"ج" أي 62% من مساحة الضفة الغربية.
وذلك مغزى ما تسرب من حديث دبلوماسيين أمريكيين لنظراء دوليين لهم، "انسوا قرار 242 و 338 وكل القرارات الدولية فهي قديمة، والواقع يتغير مع الزمن، الواقع يتغير كل يوم".
الإجراءات المطلوبة لردع عملية الضم ومنع تنفيذ صفقة القرن، يجب أن لا تُربط فقط بإعلان رسمي عن البدء بعملية الضم، بل باستمرار إسرائيل في سياستها الاستيطانية الإستعمارية، وبتكريسها الفعلي لمنظومة الأبرتهايد العنصرية.
تدرس حكومة إسرائيل ردود الأفعال على ممارساتها وعلى نواياها المعلنة بتطبيق الضم الرسمي، وتحاول أن تمتص هذه الردود، وأن تكيف إجراءاتها بما يساعد على امتصاصها.
لكنها تواجه عقبات ثلاثة يجب رؤيتها بوضوح.
العقبة الأولى: الوجود الفلسطيني البشري المقاوم لمخططاتها، و الرافض لنظام الأبارتهايد.
والعقبة الثانية: احتمال أن تواجه عقوبات حقيقية، بما في ذلك مقاطعة تنمو باطّراد على الصعيد الشعبي.
والعقبة الثالثة: الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن وخرائطها ودسائسها.
وهي من ناحية أخرى تسابق الزمن لخشيتها أن يسقط ترامب في الانتخابات القادمة.
من الجانب الفلسطيني، أخطر ما يمكن أن يحدث اعتماد سياسة المراقبة، والانتظار.
أو المبالغة فيما قد يعنيه سقوط ترامب وانتخاب بايدن.
لأن بايدن وإن كان يعارض خطة نتنياهو للضم، فإنه لن يقف في وجه استمرار العمليات الثلاث لتغيير الأمر الواقع التي وصفناها في بداية هذا المقال.
واستمرار عملية تغيير الأمر الواقع على الأرض مع الضم الرسمي أو بدونه يعني القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ويكفي أن نذكر هنا أن عدد المستوطنين المستعمرين في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يكن يتجاوز مائة وعشرين ألفا، عندما وقع اتفاق أوسلو، أما اليوم فيصل عددهم إلى سبعمائة وخمسين ألفا.
وسواء كان الجالس في البيت الأبيض ترامب أو بايدن، وبغض النظر عن من يشغل مكتب رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو أو غانتس، فإن المهمات الفلسطينية المطلوب إنجازها بإلحاح، لن تتغير.
الوحدة الوطنية الحقيقية، وتبني إستراتيجية وطنية كفاحية موحدة، ونشاط فعال لفرض المقاطعة على الاحتلال ونظام الأبرتهايد.
الشعب الفلسطيني ليس في أزمة، إن تبنت مكوناته، وقياداته، النهج الصحيح، ولكنه سيكون في أزمة إن لم يتم الخروج من دائرة الأفعال، إلى محيط الفعل المبادر.