تستمر "سياسة قضم الأراضي الفلسطينية المحتلة" و"شرعنة الاستيطان الإسرائيلي" في خرق القوانين الدولية تحت مظلة "صفقة القرن الأمريكية" و"مخطط الضم الإسرائيلي" الذي يهدد القضية الفلسطينية بالتصفية في وقت يعيش فيه العديد من أبناء الشعب الفلسطيني بتحديات البقاء والمواجهة والصمود.
فقد حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأول من يوليو موعدًا مستهدفًا للبدء في تنفيذ خطط الضم الإسرائيلية لأجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية وفقًا لما يسمى بـ "خطة السلام" المعروفة إعلاميًا بـ "صفقة القرن".
والـ"ضم" هو مصلطح قائم بدون شرعية ولا وجه حق على أرض تحتلها "إسرائيل" ولا تملكها، يشمل أكثر من 130 من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغور الأردن الذي يمتد بين بحيرة طبريا والبحر الميت، لتصبح جزءًا من حدودها الشرقية مع الأردن، بناء على "خطة السلام" التي كشف عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير الماضي ووضعها للمنطقة متضمنة احتفاظ الاحتلال الإسرائيلي بمستوطناته على أرض فلسطين وإقامة دولة منزوعة السلاح بموجب شروط صارمة للفلسطينيين في وطنهم المُحتل.
و"خطة السلام" هي امتداد لسياسة الإدارة الأمريكية المنحازة بشكل كامل للاحتلال وسياساته الاستعمارية التوسعية والتي تعمل من أجل بناء "دولة اسرائيل الكاملة" على أرض فلسطين التاريخية، وتطهيرها عرقيًا من أصحابها الأصليين بمضغ التاريخ الحقيقي عبر دمج الإحتلال الإسرائيلي لمعظم مستوطناته في الضفة الغربية و"الأراضي الإسرائيلية المجاورة"، مع إقامة "دولة فلسطينية" في أماكن أخرى بشروط صارمة ينطوي تحتها مكاسب أخرى ظاهرة لتهجير آخر للفلسطينيين بحجة عدم حصولهم على تصاريح عبور بالوصف الشهير "المنع الأمني"، ومصادرة مساحات واسعة بحملات مسعورة لهدم وتهجير أهالي القرى بحجة أخرى أن سكان هذه المناطق يعيشون خارج "دولة الاحتلال" التي سيتم اقتطاع أراضٍ واسعة منها وسرقتها وفق قانون "أملاك الغائبين" .
السيناريو الذي سيكرر إن طبق هذه المرة بعد أن فقد أهالي المناطق الحدودية شمال وغرب الضفة الغربية أراضيهم التي وقعت داخل حدود "دولة الإحتلال" بعد النكبة الفلسطينية، ليعاني أصحابها حتى يومنا هذا من الفقر الشديد والاكتظاظ السكاني والبطالة العالية والأسوار المرتفعة التي تحاصرهم.
كما أن "الصفقة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط" لا تتماشى مع الأعراف المتفق عليها دوليًا، وقد رفضتها الجامعة العربية، والسلطة الفلسطينية، وجميع فصائل المقاومة، والمعارضة من الأصوات المؤثرة في القرار الإسرائيلي، ومنها الاتحاد الأوروبي الذي لا يوافق كل أعضائه الضم بإستثناء المجر، حيث تتضمن إقامة دولة فلسطينية متناثرة الأطراف تربطها جسور وأنفاق وتجعل القدس المحتلة عاصمة موحدة للاحتلال الاسرائيلي.
ومثل هذا القرار سيكون له تأثير كبير يصعب تقييمه حاليًا على الأردن الذي يشكل السكان من أصل فلسطيني جزءًا كبيرًا من مواطنيه، وهو البلد العربي الوحيد بالإضافة إلى مصر الذي له "معاهدة سلام" مع تل أبيب.
وهذا ما لن يمر على شعب واعٍ مثل الشعب الفلسطيني، فالموقف الفلسطيني يرفض مخططات الضم و"الخرائط الأمريكية الإسرائيلية" من حيث المبدأ، سواء كانت مخططات الضم كاملة أو جزئية، وأي قرار من هذا النوع لا يمكن أن يطبق، فحينما يتعلق الأمر بالقضية، يكون الفلسطيني بكل ما تبقى لديه على موعد مع "انتفاضة رابعة" بدأت مؤشراتها تظهر بالفعل باندلاع التظاهرات وعمليات المواجهة مع العدو الاسرائيلي في المدن والقرى الفلسطينية، في تحركات شعبية واضحة لجميع أشكال النضال حتى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
والسؤال الذي يردده كثيرون من الشعب الفلسطيني الآن هو إذا لم تدفع "خطوة الضم" حركتي فتح وحماس إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، فما الذي سينهيه وسط كيان صهيوني يحتل فلسطين، ويحتجز الضفة الغربية، ويحاصر قطاع غزة، ويستمر في التصويت على قوانين تنطوي على فصل عنصري، و يشرع إطلاق الرصاص الحي على متظاهرين يخالفونه الرأي فوق أراضيهم الشرعية؟
حيث صار لزامًا اليوم الخروج من حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ منتصف عام 2007 لمواجهة المخطط الإسرائيلي عن طريق استعادة وحدة الموقف الوطني وبالمقاومة الشاملة في مقدمتها الكفاح المسلح لمواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية التي لم تكن وليدة اليوم أو الأمس، إنما هي مخطط استيطاني كبير يعمل على مصادرة أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية والتمدد لما حولها شيئًا فشيئًا، وما تبقى من فلسطين حتى اليوم لم يعد يشكل دولة يسهل العيش فيها ولا بلدًا يمكن حكمه أو تسيير أموره، فهل تصل رسالة الشعب الفلسطيني قبل فوات الأوان؟
* اللوحة بريشة رسامة الكاريكاتير المصرية رشا مهدي.